بيروت: ليال أبو رحال لم يدرك عبد المعطي إبراهيم، شاب سوري يبلغ من العمر 27 سنة، أن رحلته المعتادة إلى تركيا من أجل شراء بضاعة لمحل أحذية يملكه في بلدة سلقين بريف إدلب، ستحرمه من العودة إلى منزله وإلى زوجته وأطفاله الثلاثة، لينضم اسمه بعدها إلى لائحة طويلة تضم أسماء آلاف المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا. قبل عام ونصف تحديدا، قرر إبراهيم، وفق ما يرويه قريبه حمزة لـ«الشرق الأوسط» الذهاب إلى تركيا عبر مروره ببلدة العلاني، شمال إدلب. ودع أسرته وذهب من دون أن يعود. يقول حمزة إن المنطقة التي فقد الاتصال به فيها كانت آنذاك خاضعة للقوات النظامية. ولم تفض مفاوضات جرت بين الجيش الحر بعد أسره عددا من الجنود النظاميين والقوات النظامية من أجل تبادل الأسرى إلى الإفراج عنه، إذ نفت الأخيرة وجوده في معتقلاتها. وفي الوقت ذاته، يوضح حمزة أن أيا من المعتقلين المفرج عنهم من السجون النظامية في المنطقة أكد رؤيته أو تعرفه إليه خلال اعتقاله. بعد فقدان عائلة إبراهيم الاتصال به وعدم معرفة أي أنباء عن مصيره، فقدت والدته العجوز بصرها حزنا فيما تعتاش عائلته الصغيرة من مساعدات تتلقاها من فاعلي الخير و«الجيش السوري الحر» المتواجد في المنطقة في الوقت الراهن. إبراهيم، هو واحد من آلاف السوريين الذين باتوا في عداد المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا، حيث باتت «حالات الاختفاء القسري تمارس على نطاق واسع كجزء من حملة ترويع وتكتيك حربي»، وفق ما توصل إليه تقرير أعدته «لجنة الأمم المتحدة المختصة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا». ويفيد التقرير الصادر أمس بعنوان «دون أثر: حالات الاختفاء القسري في سوريا» بأن «هناك أسبابا منطقية تؤكد أن القوات الحكومية ارتكبت حالات الاختفاء القسري كجزء من منهجية واسعة النطاق ضد السكان المدنيين ترقى لمستوى جريمة ضد الإنسانية». ويوضح أن «الاختفاء القسري يستخدم كعنصر عقابي يستهدف أفراد أسر المنشقين والناشطين والمحاربين وكذلك الذين يعتقد أنهم قدموا خدمات الرعاية الطبية للمعارضة». ويصنف ناشطون حقوقيون حالات الإخفاء القسري بوصفها أحد أشكال الجرائم ضد الإنسانية. ويقول رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبد الكريم ريحاوي لـ«الشرق الأوسط» إن «القوات النظامية تستخدم هذه الطريقة منذ الثمانينات بشكل منهجي كسياسة عقابية للسوريين»، لافتا إلى أنه «حتى قبل بدء الثورة السورية، عمدت المخابرات إلى توجيه رسائل إلى المجتمع السوري بهذه الوسائل، بمعنى أنها كانت تحذر كل من يجرؤ على الانتقاد أو إشهار معارضته بأن مصيره سيكون الإخفاء القسري». ويبدي ريحاوي قلق الحقوقيين السوريين للعدد المرتفع لضحايا الإخفاء القسري منذ بدء الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ويوضح أن العدد المتوقع يتخطى عتبة 150 ألف مفقود أو مخفي قسري. وهو ما يترك، وفق تعبير ريحاوي، الباب مفتوحا «أمام تساؤلات مقلقة عن مصيرهم وعما إذا انضموا إلى قافلة الشهداء أم يتعرضون للتعذيب». وشدد على أن هذا الملف هو «أحد الملفات الشائكة التي ستواجهنا كحقوقيين بعد سقوط النظام، خصوصا أن التحقق من مكان وجودهم يبقى أمرا صعبا، في ظل وجود مقابر جماعية غير معروفة والتأكد من عمد النظام إلى حرق جثث بأفران في مناطق عدة كما في عدرا ومعمل الإسمنت بطرطوس في وقت سابق، عدا عن وضع جثث بداية العام الماضي بحاويات رميت في البحر»، وفق ريحاوي. وبحسب التقرير الأممي، فإن «بعض المجموعات المسلحة المناوئة للحكومة، درجت طيلة العام الماضي وبشكل متزايد على أخذ الرهائن لمبادلتهم بسجناء آخرين أو مقابل فدية». وانتقدت اللجنة «عدم سماح الحكومة السورية لها بإجراء تحقيقاتها داخل الأراضي السورية، وهو الأمر الذي حد من مقدرتها على التحقق من الانتهاكات، وعلى وجه الخصوص تلك الانتهاكات التي ترتكبها المجموعات المسلحة المناوئة للحكومة». ومن المقرر أن تنشر لجنة الأمم المتحدة المختصة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، تقريرها الشامل المقبل في شهر فبراير (شباط) المقبل، على أن يقدم إلى مجلس حقوق الإنسان خلال جلسته المقبلة في جنيف منتصف شهر مارس (آذار).