حلب: وائل عصام يقلب عبد الله صور زملائه المقاتلين الذين قضوا تعذيبا. يبدو من وجوههم الدامية للوهلة الأولى أنهم ضحايا أحد الفروع الأمنية للنظام السوري، لكن سرعان ما نعرف أنهم أول من قتل من الجيش الحر تعذيبا في سجون «داعش» في الساحل السوري. عبد الله وأحمد مقاتلان ينتميان لكتيبة «الهجرة إلى الله» التابعة للجيش الحر، يرويان لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل عايشوها خلال اعتقالهم في سجون «داعش» في اللاذقية تكشف حقيقة ما حصل في المواجهة التي وقعت بين «داعش» وفصيل من الجيش الحر قبل أسابيع في جبل التركمان باللاذقية، عندما قرر أبو أيمن العراقي، وهو أمير «داعش» في اللاذقية، أن يهاجم مقرا لكتيبة منافسة تابعة للجيش الحر هي «الهجرة إلى الله» في بلدة ربيعة، ليقتل في الهجوم أربعة من عناصر «داعش»، قبل أن يحاصر مقاتلوه ستة من عناصر «الهجرة إلى الله» ويعتقلوهم بعد أن أعطوهم الأمان ووعدوهم بعدم التعرض لهم في حال سلموا أنفسهم. نقل المعتقلون إلى بلدة سجن لـ«داعش» في بلدة الغسانية المسيحية التي أضحت خالية من سكانها. ويقول عبد الله إنه كان يسمع صرخات وأنين خمسة من زملائه جرى تعذيبهم حتى الموت ورميت جثثهم قرب جسر الشغور قبل أن يطلق سراحه مع شقيقه أحمد في صفقة تبادل للأسرى. ويضيف عبد الله «منذ أن دخلنا السجن بدأت الشتائم: (يا كفرة، يا قتلة المسلمين، تبغون شرعة أميركا على شرعة الله، دولة الإسلام باقية رغم أنوفكم)». عبد الله كان صديقا سابقا لقيادي تونسي في «داعش»، ولهذا فقد عومل معاملة أفضل من زملائه، كما أنه لم يكن مشتركا في قتل عناصر «داعش» في الاشتباك. يقول «كنت أعمل في تصليح القبضات (أجهزة اللاسلكي)، وكان عناصر (داعش) دائمو التردد، واحتفظت بعلاقات طيبة معهم خاصة التونسي، فقد كان الوحيد الذي يبتسم بينهم». لكن علاقته الطيبة بهم لم تشفع لزملائه الذين تعرضوا للتعذيب «رغم أن عناصر (داعش) أعطوهم الأمان عند تسليم أنفسهم، فإنهم غدروا بهم. كانوا يضربوهم يوميا ويسألونهم عن أماكن تخزين الأسلحة والعتاد، وفي الأيام الأخيرة أخذوا يضربوهم بصناديق الذخيرة الخشبية على رؤوسهم حتى ماتوا جميعا. كنت أسمع صرخاتهم من غير أن أتمكن من فعل شيء لهم». ويكشف شقيق عبد الله الذي اعتقل هو الآخر عن تفاصيل وأسباب مقتل الشيخ جلال بايرلي، القاضي الشرعي في جبل التركمان، الذي جاء في وفد ضم ممثلين عن أحرار الشام وفصائل أخرى للتوسط لإطلاق سراح الأسرى، وقابل أبو أيمن العراقي أمير داعش في الساحل (وهو سوري من مدينة دير الزور ويكنى بالعراقي). ويقول أحمد «شاهدت الشيخ جلال من بعيد وهو يدخل على أبو أيمن العراقي مع وفد من الأحرار ووجهاء جبل التركمان، وما إن شاهده أبو أيمن حتى قال له: (من أنت؟)، فأجابه الشيخ: (أنا القاضي جلال بايرلي القاضي في الهيئة الشرعية)، فرد عليه أبو أيمن قائلا: (أنت قاضي الائتلاف إذن)، ومباشرة أطلق رصاصة على ركبته وألحقها برصاصة في رأسه». وقد أثارت هذه الحادثة غضبا كبيرا لدى الفصائل الإسلامية خصوصا أن أبو أيمن العراقي هو نفسه من قتل أبو بصير اللاذقاني القائد في الجيش الحر قبلها بأسابيع، كما أن حركة أحرار الشام الإسلامية وعلى لسان أحد قادتها، وهو عبد الملك الشرعي، اعتبرت أن مقتل الشيخ جلال وقتل الأسرى دلائل على صفات «الغدر بالمجاهدين بعد إعطائهم الأمان» في أعنف انتقادات وجهتها الحركة ضد «داعش». بعد تعذيب زملاء عبد الله وقتلهم وإعدام الشيخ جلال، دخل عبد الله في حوار مع أبو أيمن العراقي لساعات لم يفض إلى أي نتيجة سوى أنه اتهم كل الفصائل الأخرى بأنها تريد التحول لصحوات لمقاتلة «الدولة الإسلامية». يقول عبد الله «كان دائم الاتهام للفصائل الأخرى كأحرار الشام بالتقاعس عن نصرة فصيله في معارك اللاذقية خصوصا في قرى بيت شكوحي التي تضم عشر قرى علوية والتي استعادها النظام بعد أيام من اقتحامها من قبل (داعش)». ويقول الناشط الإعلامي في اللاذقية سليم العمر إن ممارسات داعش في الساحل أثارت غضب كل الفصائل الإسلامية. ويؤكد أن «الخلاف في جوهره شخصي بين أبو أيمن العراقي قائد (داعش) والملازم أبو رحال قائد كتيبة الهجرة إلى الله». ويضيف «لم يعد بالإمكان لأي من الفصائل العمل من غير مبايعة (داعش) في جبل التركمان أو جبل الأكراد. نفوذهم زاد هناك بصورة ملحوظة، لكنهم وفي الوقت نفسه مقبلون على صراع كبير خصوصا مع القرى التركمانية في جبل التركمان التي تنتمي كتائبها الإسلامية للجيش الحر». لم يطلق سراح عبد الله من سجون داعش إلا بعد أن أعلن «توبته»، وبعدها جاء عناصر «داعش» يعتذرون له عن التعذيب الذي تعرض له. ويقول «خلال إطلاقي جاء عناصر (داعش) وبعضهم من العراق والشيشان والمغرب، كل واحد فيهم يقبل المكان الذي ضربني فيه. أحدهم قبل رأسي وقال: (سامحني يا أخي أنا ضربتك هنا)، وآخر قبل ظهري وقال: (سامحني يا أخي أنا ضربتك هنا)». ويضيف «استغربت كثيرا تغير معاملتهم بمجرد تحسن علاقتي بأبو أيمن العراقي. هم منقادون لأميرهم بطريقة غريبة». وكان آخر ما سمعه عبد الله من عناصر «داعش» قولهم له «اذهب يا أخي من اليوم فصاعدا، إما تبايعنا وتقاتل في في كنف الدولة وإما تجلس في بيتك». وفي الإطار نفسه، انتقدت أمس منظمة العفو الدولية في تقرير صدر عنها ممارسات التعذيب والجلد والقتل دون محاكمة التي قالت إنها تنتشر في السجون السرية التي تديرها الدولة الإسلامية في شمال سوريا. وقالت المنظمة في تقريرها الذي حمل عنوان «عهد الخوف: الانتهاكات التي ترتكبها الدولة الإسلامية في العراق والشام في الحجز بشمال سوريا» إن الدولة الإسلامية في العراق والشام دأبت على انتهاك حقوق السكان المحليين دون رحمة، وهي تزعم أنها تطبق أحكام الشريعة بصرامة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها. وكشف التقرير عن سبعة من مرافق الحجز التي تستخدمها «داعش» في محافظة الرقة ومدينة حلب. وقال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية فيليب لوثر «تشمل قائمة المخطوفين والمحتجزين على أيدي عناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام أطفالا في سن الثامنة يحتجزون رفقة البالغين في ظل نفس الظروف القاسية وغير الإنسانية». ويصف محتجزون سابقون طائفة مروعة من الانتهاكات تعرضوا لها هم أو آخرون، منها الجلد بأحزمة المولدات المطاطية أو الأسلاك أو التعذيب من خلال الصعق بالكهرباء أو إجبارهم على البقاء في وضعية جسدية مؤلمة تُعرف بوضعية «العقرب» يُقيد فيها رسغا الشخص المحتجز مع بعضهما البعض فوق إحدى الكتفين. وأشار لوثر إلى أنه «ينبغي على الحكومة التركية تحديدا أن تحول دون استخدام عناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام لأراضيها في جلب الأسلحة والمجندين إلى سوريا». كما طالب «دول الخليج بالتحرك من أجل وقف تدفق الأسلحة والمعدات وغير ذلك من أشكال الدعم الموجه إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام في ضوء سجلها المروع على صعيد حقوق الإنسان».