في إطار الحديث عن الهدف الرئيس لبرنامج التحول الوطني، نعود اليوم لاستكمال حديث الأمس عن استخدام تنمية الإيرادات الحكومية كأداة لـ (التربية الوطنية). وكان مقال الامس عن تنمية إيرادات مواقف السيارات في الشوارع والأماكن العامة. اليوم نتحدث عن آلية بدأنا فيها، ولكن البداية كانت خجولة وعلى استحياء، لذا فقدت أثرها التربوي الوطني الكبير الذي كنّا ننتظره. هنا نقصد مشروع السلامة المرورية (ساهر). إدخال الرقابة على سلوكيات القيادة وسيلة فعالة وضرورية للتربية الوطنية، وكنا نتمنى تدشين مشروع ساهر بقوة تزامنا مع إطلاق استراتيجية السلامة المرورية التي أجازها مجلس الوزراء قبل سنتين. الآن لم يفت الوقت، فتنفيذ الإستراتيجية يحتاج نفقات جارية لتحقق أول أهدافها وهو خفض أعداد الضحايا والإصابات المخيفة والمتصاعدة. تنفيذ الإستراتيجية ضرورة وطنية، ليس لأجل محاصرة ارتفاع القتلى والجرحى فقط، بل ضرورة لاحتواء السلوكيات المتدهورة للقيادة، فاستمرار هذه السلوكيات والسكوت عنها سوف يقودنا إلى حقبة مخيفة مؤسفة في فوضى القيادة، وسوف تصبح شوارع مدننا كحال المدن والعواصم التي تعرفونها، حيث الشوارع ساحة مفتوحة لممارسة انتهاك الأنظمة، ومسرح مفتوح لممارسة فنون قلة الذوق والأدب! التوسع في تطبيق مشروع ساهر ضرورة للسلامة المرورية، وضرورة أخلاقية، وضرورة لإشاعة تطبيق العدل بين الناس حين استخدام الطريق. المواطن الصالح المتطلع للعدل ومن لا يريد أن يكون ظالما أو مظلوما، أو ضالا أو مضلا، عادة يجد كل الظروف ضده في الطريق، حقه يصادر من أمامه، وليس له إلا: الصبر أو التوتر أو العنف! هل هذا ما نريده لأنفسنا ولإخواننا؟، وهل هذا يخدم السلام الاجتماعي؟. مع الحاجة الوطنية الضرورية لتنمية الإيرادات غير النفطية، نحن بيدنا الآن آلية تحقق لنا عدة أهداف إنسانية وأخلاقية واقتصادية، ووسيلة للتربية الوطنية على المدى البعيد. في إطار التحول الحكومي نتمنى المبادرة لإعادة صياغة مشروع ساهر، وربطه باستراتيجية السلامة المرورية، بحيث يكون مشروعا متكاملا في التمويل والتنفيذ. أعتقد أن الأغلبية من الناس سوف ترحب وتدعم وتبارك التوسع في تطبيق ساهر إذا تم تحويل موارده المالية لتنفيذ استراتيجية السلامة المرورية. تنفيذها سوف يولد آلاف الفرص الوظيفية ويحرك الانفاق الحكومي، فالاستراتيجية تستهدف تنفيذ 70 مشروعا مشتركا، ووضع مؤشرات لقياس إنجاز تلك المشاريع ومراقبتها، ولها إطار زمني بخمس سَنَوات. الان مع مشروع التحول الوطني لدينا فرصة لإخراج هذه الاستراتيجية، فهي تلتقي مع تطلعات ورؤية البرنامج. الناس سوف تدعم تنمية الموارد لهذه الإسترتيجية لأن كل بيت اكتوى بالحوادث المرورية، (وأنت تقرأ هذا المقال هناك حالة وفاة أو إعاقة مستدامة تقع الآن). كلنا نرحب بأية إجراءات فعالة لإشاعة السلوك الحضاري في شوارعنا، نريد القيادة (تجربة ممتعة)، وليست (تجربة مخيفة مرعبة). نحن ننام في بيوتنا آمنين.. ولكن يتلبسنا الخوف في سياراتنا!