التهليل الذي خرج به الإسرائيليون، من قيادة سياسية وعسكرية وأمنية وإعلام ومواطنين، لاغتيال عميد الأسرى في السجون الإسرائيلية، سمير القنطار، واعتبار العملية اغلاق حساب مفتوح منذ عام 1979 بعد تنفيذ عملية نهاريا، لم يدم الفرحة في قلوبهم فترة طويلة. فإطلاق صفارات الإنذار في نهاريا وشلومي، بعد ساعات من العملية، أعاد الإسرائيليين إلى أيام صعبة خلت تذكّروا فيها فترات الحروب وقصف الصواريخ، ووضعتهم في حال عدم استقرار من جديد على الحدود الشمالية. ربما ابدى البعض الاطمئنان الى ان رد «حزب الله» لن يأتي في غضون ساعات او ايام قليلة، ولكنهم بانتظار هذا الرد، ينشغلون في وضع السيناريوات المتوقعة وإذا ما سيكون كما حصل في عملية اغتيال جهاد مغنية، حيث جاء من منطقة الحدود، بعد عشرة ايام، أم أنه سيأتي من سورية، حيث يخشى الإسرائيليون من نجاح القنطار في تجنيد خلايا مقاتلة ضد اسرائيل وكسب ثقة الدروز. كما لا تسقط اسرائيل من حساباتها الرد عبر البحر باستهداف منشآت الغاز. ويبقى الأمر الأهم، حالياً، ان كل الاحتمالات واردة. اسرائيل الرسمية لم ولن تعترف علناً بأنها تقف وراء عملية الاغتيال، لكنها لا تبقي وسيلة الا وتلمح الى انها من نفذ العملية، بل إن ألسنة بعض المسؤولين تزلّ خلال لقاءات صحافية ويتحدثون عنها بتفاخر كعملية نفذتها اسرائيل بقدرات استخباراتها العسكرية ومعداتها المتطورة والدقيقة، التي نجحت في اصابة الهدف واعتبارها ضربة موجعة لـ «حزب الله» وسورية وإيران. قنبلة موقوتة تسميات كثيرة اطلقتها اسرائيل على سمير القنطار، لدى الإعلان عن نشاطه العسكري في «حزب الله». وعلى مدار ثلاث سنوات، على الاقل، اعتبرته قنبلة موقوتة تهدد اسرائيل وأمن حدودها الشمالية. واعتبرته محرك خلايا مقاتلة في سورية ضد اهداف اسرائيلية، بل ذهب امنيون الى ابعد من ذلك في التحريض عليه فوصفوه بـ « المحرض على تخريب علاقاتها بالطائفة العربية الدرزية». ففي حين ارادت اسرائيل اظهار الدروز حلفاء لها، قام القنطار بتجنيد خلايا منهم تخلخل الهدوء على الحدود في الجولان المحتل. وفي التقارير التي روجت لها اسرائيل، فور الإعلان عن اغتيال القنطار، ورد ان مهمته تركزت على تجنيد دروز هضبة الجولان من اجل تشكيل «قاعدة ارهاب ضد إسرائيل»، وأضافت أنه قام بتنظيم جهاز مقاومة مسلحة ضد اسرائيل على الحدود مع سورية يكون امتداداً لنشاط «حزب الله» في جنوبي لبنان. وخطر القنطار، وفق اسرائيل، يكمن في ما يخططه للمستقبل، وهو امر جاء ضمن ادعاءات الإسرائيليين وتبريرهم للاغتيال حيث حسموا ان قتله منع تنفيذ عمليات عدة كانت مخططة ضد اسرائيل. وعلـــى رغم اعلان القيادة الشمالية رفع حال التأهب الى اقصى درجاتها واستنفار واسع للجيش الا انهم في اسرائيل لا يتـوقعون ذلك الرد الذي يدخـــل المنطقة الى حرب ثالثة مع لبنان. ففي التقارير التي نشرتها اسرائيل بعد اغتيـــال القنطار، وعلى رغم التسميات التي اطلقـــت عليه، ما زال هناك قناعة انه ليس عماد مغنيـــة، واغتياله لن يؤدي الى تدهور الوضع. كمـا لا تسقـط اسرائيل من حساباتها ان «حزب الله» لن يـــرد في شكل واسع، طالما العمليـــة نفذت علـــى الأراضي السورية وليــس في لبنان، وذلك ضـمــن قواعــد اللعب الجديدة للحزب. ويعتقد الإسرائيليون بأن التواجد الروسي في سورية يعتبر عاملاً كابحاً يمكن أن يكبح «حزب الله». ففتح مواجهة مع إسرائيل لا يخدم مصالح روسيا في سورية. والاطمئنان الاسرائيلي، الى حد ما، يأتي نتيجة صمت روسيا قبل هذه العملية، على ثلاث عمليات قصف نفذتها اسرائيل في الأراضي السورية، من دون اي رد. جهات امنية اسرائيلية رفضت الحديث عن ان اغتيال سمير القنطار هو انتقام لعمليته في نهاريا او كما سموها «اغلاق حساب». فإسرائيل بهذا الاغتيال ارادت ان تؤكد أنها ترفض تجاوز الخطوط الحمر التي لم يترك وزير الدفاع، موشيه يعالون، مناسبة الا تحدث عنها. كما ان اسرائيل تريد ان تحافظ على مكانة لها في سورية بعد التواجد الروسي. فقد اكدت اكثر من مرة انها لن تترك الساحة السورية، واغتيال القنطار يعتبر تحدياً كبيراً خصوصاً مع طرح الأسئلة الكثيرة حول كيفية تنفيذ العملية، على رغم مظلة الدفاع الجوية الروسية وصواريخ «اس-400». اذ نفذت الطائرات الإسرائيلية العملية بعد اختراق الأجواء السورية ولم تمنع الرادارات الروسية الاختراق الجوي. بالنسبة إلى أسرائيل لا تتعامل كثيراً مع هذه التساؤلات ويكفيها القول ان لديها معلومات استخبارية «راسخة كالباطون»، كما وصفتها صحيفة «هارتس»، هي التي ساهمت في تنفيذ العملية. فترة جديدة من التوتر وبالنسبة إلى الصحيفة الإسرائيلية فإن عملية الاغتيال تنذر بفترة جديدة من التوتر تعتبر أعلى من المعتاد في المثلث الحدودي بين إسرائيل وسورية ولبنان. والأمر يتوقف على ايران اكثر مما هو على «حزب الله». وتقول الصحيفة: «إسرائيل و«حزب الله» اجتازتا جولات من التوتر في السنوات الأخيرة، ونسبت إلى إسرائيل سلسلة من العمليات في الأراضي السورية، تم في غالبيتها قصف قوافل اسلحة جرت محاولات لتهريبها الى «حزب الله» ولبنان، وتمّ في بعض العمليات اصابة خلايا عملت بتوجيه من ايران و«حزب الله» في الجولان السوري، كان من بينهم رجال القنطار، ولم يرد «حزب الله»، وفق الصحيفة الإسرائيلية، التي تابعت تقول: «لقد وقعت احداث اخرى داخل الأراضي اللبنانية: مهاجمة قافلة اسلحة بعد لحظة من اجتيازها الحدود السورية، واغتيال مسؤول في «حزب الله» في ضاحية بيروت، وانفجار عبوات ناسفة خلال قيام عناصر من التنظيم بتفكيك منشآت تجسس تم الادعاء بأن إسرائيل زرعتها في لبنان. ولم تتطرق إسرائيل في شكل علني إلى الأحداث. لقد قرر «حزب الله»، وفق الإسرائيليين، تجاوز غالبية هذه الهجمات. وعندما اجتازت هذه الهجمات الحدود السورية باتجاه الأراضي اللبنانية، قرر التنظيم الرد، لكنه غالباً ما فعل ذلك عبر الحدود السورية وبواسطة مبعوثين، من بينهم رجال القنطار. يرى الإسرائيليون ان الرد لدى ايران اكثر من «حزب الله». فبرأيهم لدى طهران معايير اخرى، اوسع بكثير مما لدى «حزب الله». بعضها يتعلق باستمرار تنفيذ اتفاق فيينا النووي، الذي تم توقيعه مع القوى العظمى في تموز (يوليو). ويرى الإسرائيليون ان النظام في طهران يتوقع رفع جانب من العقوبات التي فرضت عليه بسبب المشروع النووي. وهناك معيار مهم آخر، يرتبط باستمرار الحرب الأهلية في سورية. ويرفق الإسرائيليون في ردهم هذا تقارير جاء فيها انه «في الأسابيع الأخيرة، اخلت ايران حوالى ثلثي قواتها العسكرية التي نشرتها في شمال سورية، لمساعدة نظام الأسد، وكخطوة مكملة للهجوم الجوي الذي بادرت اليه روسيا ضد المتمردين في سورية. الهجوم الروسي لم يحقق حتى الآن كل توقعات موسكو. تنظيمات المعارضة لم تسقط تحت طائلة الضغط الجوي، بينما الخطوات البرية التي يفترض ان تقودها ايران بمساعدة ميليشيات شيعية مختلفة، من بينها «حزب الله»، تتلخص حتى الآن بإنجازات طفيفة. كل مصادقة ايرانية على الرد العسكري من جانب «حزب الله»، ستكون محكومة بهذه الجوانب»، كما يقول الإسرائيليون في تقاريريهم ويبنون بموجبها بعض سيناريوات الرد على اغتيال القنطار. توقعات غير حاسمة ويبقى السؤال الذي يهيمن على المشهد الإسرائيلي اليوم، هل سيرد «حزب الله»؟ التوقعات الإسرائيلية غير حاسمة لكن اسرائيل تتعامل وكأن الرد سيأتي كل لحظة. الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين يتوقع رداً قريباً ودعا الجيش الى الاستعداد لأي طارئ ولأخطر السيناريوات. والخبير في العلاقات بين اسرائيل والعرب آفي يسخاروف يرى ان هناك اسباباً كثيرة يمكنها ان تجعل «حزب الله» يكتفي برد عبر الصواريخ التي اطلقت باتجاه نهاريا وشلومي، عصر الاحد، ويقول: «قيادة «حزب الله» تفهم ان الرد المبالغ فيه، مع عدد مرتفع من القتلى في الجانب الإسرائيلي، يمكن ان يورط الحزب برد اسرائيلي اشد ألماً. ويمكن لحادث كهذا ان يؤدي الى التصعيد في المنطقة، وهي مسألة ليس معنياً بها «حزب الله»، على الأقل طالما أنه يدير حرباً على مستقبله في سورية». أما الجنرال احتياط موشيه ألعاد فيعتبر الردع الذي حققته إسرائيل، منذ حرب لبنان الثانية، سيمنع الرد الذي يخشاه الإسرائيليون ويقول:» قبل سبع سنوات، بعد اغتيال عماد مغنية، هدد «حزب الله» بأن «عشرات آلاف الصواريخ موجهة الى إسرائيل» وأنه «ينوي تنفيذ» عمليات انتقام من نوعين: الأولى - عمليات واسعة في إسرائيل أو إصابة إحدى سفاراتها في الخارج. والثانية - تصفية او خطف شخصيات إسرائيلية رفيعة على مستوى وزير او رئيس للأركان، او خطف رجال اعمال اسرائيليين. من المؤكد ان نصرالله قد يحاول ترميم حالته ولو قليلاً، لكن مشاهد لبنان في 2006 لا تزال محفورة في ذاكرته. هذا هو الردع»، كما يقول ألعاد، ويتبنّى العديد من الإسرائيليين موقفه باعتبار الردع الإسرائيلي سيمنع رداً من «حزب الله».