أجرى إعلاميان أمريكيان بحثاً مبكراً يرمي إلى قياس أثر الصحافة في ترتيب الأولويات لدى قراء الصحف في زمن معين ومعرفة تراتبيتها حسب أهميتها. وأفضى البحث إلى اعتماد نظرية ترتيب الأولويات للمضمون الصحفي بين القراء. أما كيف تتعامد هذه النظرية مع الشأن اليمني فالرد ببساطة أن اليمن يحتاج إلى ترتيب أولويات كثيرة في قضاياه الملحة وتحدياته الكبرى التي تتراوح بين مفاوضات السلام، والحسم العسكري المطلوب بإلحاح الآن والقضية الجنوبية وإعادة الحقوق المغتصبة في عهد صالح ونظامه الفاسد، وتحديد وضع اليمن الجديد في إطاره الخليجي، ثم وهذا الأهم ترتيب الاندماج اليمني في البيئة السياسية الخليجية والإقناع بأن اليمن الحر لن يشكل عبئاً ثقيلاً على محيطه الخليجي وإنما بقليل من التخطيط يمكن أن يجتاز مرحلة الاندماج في زمن قصير وبقليل من الصبر والتضحية سوف يشكل إضافة خلاقة للمشروع الأمني والاقتصادي الخليجي وليس عبئاً عليه. فإذا وضعنا الأولوية وهي محادثات السلام فإن الحقائق تنبئ عن نشاط سياسي لا يعدو أن يكون حملة علاقات عامة فائقة الإعداد. فحملات كهذه حين تصدر من الأمم المتحدة يظن الجميع أن سندها المباشر هو الأمين العام وأعضاء مجلس الأمن، والحقيقة تكشف عن أن ابن الشيخ يكرر دور سلفه في جر القضية إلى متاهات والابتعاد عن توجيه المنظمة الدولية إلى المشاركة في الحسم العسكري واجتثاث آفة الانقلابيين. وكما راوحت الأزمة مع ابن عمر سنوات طوال تبدو الأمور قابلة للتكرار فيما عدا أن قوات التحالف كما نراها في الميدان هي المتغير الجديد لحسم المعركة لصالح الشعب اليمني من دون شك أو رياء. ومشكلة الحوثيين أنهم يتمسكون بالاعتقاد أن التراتبية الاجتماعية في اليمن تعطيهم مكانة ما فوق القبيلة، ومن ثم فإن الجهود السلمية محكوم عليها بالفشل، وأقرب دليل على ذلك مطالبتهم بمحاكمة هادي وأعوانه ووزير الخارجية المقال رياض ياسين ومستشاره رياض العتواني ونائب رئيس الوزراء والوزير الجديد عبدالعزيز جباري ورئيس الأمن حسن الحمدي والإصلاحي الوحيد أمين الأنسي. إذ كيف نصدق أن الحوثيين يذهبون إلى جنيف للاعتراف بالشرعية السياسية لهادي ويشكلون لجنة قضائية لمحاكمته غيابياً؟ ثم كيف تصح عودته الشرعية إلى صنعاء لإدارة البلاد وهو مطلوب للعدالة وحبل المشنقة معلق في باب العاصمة لتنفيذ أحكام الإعدام. هناك الكثير مما يقال في هذا الموضوع إلا أن مختصر القول أن القرار الاستراتيجي سلب من الحوثي وصالح منذ وقت طويل، وأضحى فارسياً بامتياز. فإيران هي صاحبة القول الفصل في إنجاح جنيف من عدمه. وأن البديل الحقيقي لكل هذا هو الاستمرار في المقاومة والحرب الميدانية دون النظر إلى أقاويل المرجفين وصفات المشككين بإنجاز جيش الإمارات وسلسلة الانتصارات التي تحرر على وقعها الجنوب بالكامل. نحن نعرف ويعرف الاستراتيجيون والخبراء العسكريون من قبلنا أن النصر مرصود للجماهير صاحبة الحق في كتابة التاريخ وتحقيق الاستقرار وتوفير الأمان وفرص العمل الشريف للمواطن اليمني بدعم من الأشقاء الأقوياء الذين اتخذوا قراراً لا رجعة فيه بنصرة أشقائهم اليمنيين شاء من شاء وأبى من أبى ومهما كانت التكاليف. والذين يتباكون الآن على فدح التكاليف لا يدرون أنهم مرجفون يزرعون الفتنة وينشرون بين الناس الشعور باليأس ولا يدرون أي خطأ يقعون فيه. إن المخلصين لأوطانهم وأجيالهم القادمة هم الذين يقفون وراء نجدة إخوانهم في اليمن من منطلق الفهم بأنه استثمار للأجيال القادمة يقدمه شعبنا ويضحي من أجله شهداؤنا في ميادين الشرف والكرامة أما عدا ذلك فإنه جهل مطبق يعانيه البعض أو خدمة مجانية تقدم للعدو من دون مقابل. وباقتراب أكثر فإننا في صدد أقلية منزوية في أركان مظلمة تنقسم إلى نموذجين.. الأول هو الطابور الخامس الذي يعمل لصالح الحوثيين وصالح والإيرانيين انطلاقاً من علاقات خاصة أو انتماءات مذهبية ضيقة، يعادون الوطن ويقفون ضد مصالحه الاستراتيجية, ويفوتهم أن التخاذل عن مواجهة إيران في اليمن يعني انكشاف البوابة الجنوبية للخليج واستفحال الخطر الإيراني على أمن الخليج من جنوبه إلى شماله. وأن ترك هذه الساحة الاستراتيجية مرتعاً لإيران تتخذها نقطة وثوب للتوسع وتهديد الخليج بأعز ما يملك الإنسان والثروة والحضارة والكيان. والتصدي لإيران في اليمن يشكل حتمية تاريخية كونها حماية لما تبقى من حصون قوية لصد الأطماع الإيرانية وحرمانها من جني ثمار تحالفاتها مع الفئة التي تشكل ظاهرة خياناتية فاقعة تعبر عنها أفعالهم وأقوالهم المتسخة بسلوكيات العمالة. أما النموذج الثاني فإنه ومع إقرارنا بعمق مشاعرها الوطنية إلا أنها تعجز عن مسايرة وفهم التحولات الكبرى التي أطلت علينا بعد حرب العراق وسوريا وليبيا واليمن. عجزت هذه الفئة عن فك شيفرة الأطماع الدولية في الخليج وعن الخطة المبيتة لإضعاف هذه الكيانات العربية الأصيلة ضد إرادات شعوبها للدخول إلى عمق الأمن العربي والوصول إلى منابع النفط في الخليج. فقد كان الأمن القومي العربي يطير بجناحين، جناح الثروة البشرية الكاسحة في بلاد البشر والأنهار، وجناح الثروة النفطية الهائلة في بلاد الثروة والبحار. وحين اختفت القوة الأولى أو كادت بسقوط العراق وسوريا وليبيا، ظل الجناح الثاني قادراً على التحليق واستعادة قوة الدفع والمضي إلى الأمام بعودة مصر التي لا تزال بتاريخها المفعم بالانتصارات على المتربصين بهذه الأمة من تتار وقرامطة وصليبيين واستعمار قديم وجديد ثم الخطر القائم الآن المتمثل بداعش وجبهة النصرة وأمثالهما، حيث أضحت مصر بتحالفها مع الخليج أكثر مهابة وأقدر على الفعل والتأثير. الأولوية الأولى كما نرى هي الحل السلمي المحكوم عليه بالفشل والمناورات الحوثية في لقاء سويسرا خير دليل والرد الحقيقي في تحرير مدينة الحسم ومحافظة الجوف وكما تشيء الوقائع أن تحرير مدينة تعز يمر من العاصمة صنعاء. drsubaihi@gmail.com