طرابلس أ ف ب تسود ليبيا حالةٌ من الفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية بفعل النزاع المتواصل على السلطة فيها منذ نحو عام ونصف العام. وعجزت السلطات الجديدة التي ورِثَت الحكم بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عن تأسيس دولة مؤسسات. وطالت الفوضى قطاعاتٍ مختلفةً أفقدت أغنى دول إفريقيا بالنفط الرقابة الفاعلة على حدودها البرية والبحرية وسمحت لجماعاتٍ متطرفة على رأسها تنظيم «داعش» الإرهابي بالتمدد. السياسة وتخوض سلطتان نزاعاً مسلحاً على الحكم في البلاد منذ عام ونصف العام. ويعترف المجتمع الدولي بسلطة مجلس النواب المنتخب الذي انتهت ولايته في أكتوبر الماضي لكنه صوَّت على تمديدها إلى أجل غير مسمى. والمجلس مدعومٌ من حكومة «مؤقتة» وقوات مسلحة موالية له. وتعمل هذه السلطة من شرق البلاد، وتسيطر قواتها على معظم مناطق الشرق. بينما لا تحظى سلطة مسيطِرة على العاصمة باعتراف المجتمع الدولي. وتتألف هذه السلطة من برلمانٍ منتخب انتهت ولايته في فبراير 2014 لكنها مُدِّدَت بقرارٍ من المحكمة العليا في طرابلس في منتصف العام الماضي، إلى جانب حكومة «إنقاذ وطني» وتحالف جماعات مسلحة تحت مسمى «فجر ليبيا» يسيطر على معظم مناطق الغرب. وانخرطت السلطتان في حوارٍ ترعاه الأمم المتحدة منذ بداية العام الجاري، لكنهما فشلتا حتى مساء أمس الأول في تبنِّي اتفاق سلامٍ نهائي، قبل أن يُعلِن أعضاءٌ في الطرفين اتفاقاً بديلاً دون وساطة خارجية. وهكذا؛ بات الليبيون أمام اتفاقَين سياسيَين. الأول ترعاه الأمم المتحدة وينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس رئاسي وإجراء انتخابات تشريعية في غضون عامين. ويقول رئيسا البرلمانين المتنازعين، عقيلة صالح ونوري أبوسهمين، إن الموقِّعين من الجانبين على هذا الاتفاق «لا يمثلون سوى أنفسهم». فيما يرتبط اتفاقٌ ثانٍ بـ «إعلان مبادئ» توصل إليه ممثلون عن البرلمانين في ديسمبر الجاري في تونس، لكنه لم يُطرَح على التصويت بعد. وينص «إعلان المبادئ» على تشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون أسبوعين من تاريخ اعتماده وإجراء انتخابات تشريعية في غضون عامين. وكان إعلان دستوري مؤقت صدر في ليبيا في أغسطس 2011، وكان من المفترض أن يُستبدَل بدستور نهائي كامل، لكن الهيئة التي انتُخِبَت في فبراير 2014 لوضع الدستور فشلت حتى الآن في التوصل إلى صياغة نهائية تُطرَح على الاستفتاء، بفعل الانقسامات الداخلية. الأمن أمنيَّاً؛ فشلت السلطات التي ورثت الحكم من نظام معمر القذافي، الذي حكم البلاد لأكثر من أربعة عقود، في نزع السلاح من الجماعات التي قاتلت هذا النظام. وفي ظل هذا الفشل؛ تعاظمت قوة الجماعات المسلحة حتى بدأت تتقاتل فيما بينها لفرض سيطرتها على الأرض. وفي البلاد قوتان رئيستان؛ تحالف «فجر ليبيا» الذي يضم خليطاً من الجماعات المسلحة بعضها إسلامية، وقوات الحكومة المعترف بها التي يقودها الفريق أول، خليفة حفتر، وتضم وحدات من الجيش إلى جانب جماعات مسلحة موالية لحفتر. تتقاتل هاتان القوتان في عدة مناطق، الأمر الذي سمح لجماعات متطرفة بالعمل على التمدد في البلاد، وعلى رأسها تنظيم «داعش» الذي يسيطر حالياً على مدينة سرت الواقعة على بعد 450 كلم شرق طرابلس. ويسعى التنظيم الإرهابي إلى التمدد في المنطقة المحيطة بسرت والغنية بآبار النفط وموانئ التصدير الرئيسة. وفي ظل استمرار القتال اليومي بين قوات السلطتين، الذي يشمل مواجهات بالدبابات والأسلحة الثقيلة والغارات الجوية، فقدت البلاد الرقابة الفاعلة على حدودها البحرية والبرية ما ساهم في زيادة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا عبر سواحلها. الاقتصاد وبفعل النزاع؛ تراجعت صادرات النفط في البلاد إلى نحو 400 ألف برميل يوميَّاً مقارنةً بنحو 1.2 مليون برميل يوميَّاً قبل 2011. ومع تراجع الصادرات؛ انخفضت الإيرادات بشكل دراماتيكي، إذ إن عائدات النفط تشكِّل المصدر الوحيد للإيرادات في فترة ما بعد القذافي. كما أن العجز عن تحصيل الضرائب في ظل الحرب القائمة ساهم في هذا التراجع. وطال الانقسام قطاع النفط بعدما أعلنت الحكومة المعترف بها دوليَّاً إنشاء مؤسسة وطنية للنفط في الشرق تكون بديلة للمؤسسة الأم في طرابلس؛ وسط محاولات مستمرة من قِبَل هذه الحكومة لاستدراج الزبائن من أجل نقل تعاملاتها من العاصمة إلى المؤسسة الجديدة في الشرق. وتملك البلاد احتياطاتٍ من النفط تعدّ الأضخم في إفريقيا وتُقدَّر بنحو 48 مليار برميل. ويستعين المصرف المركزي الليبي بالاحتياطات النقدية لديه (90 مليار دولار في بداية 2015) لسد العجز الكبير في ميزان العائدات والنفقات، إذ يقوم حالياً بمهمة دفع رواتب موظفي السلطتين المتنازعتين التي تبلغ نحو مليار دولار شهريَّاً في مقابل عائدات نفطية شهرية تبلغ نحو 600 مليون دولار.