وصف الله تعالى نفسه بالنور، كما سمّى كتابه نوراً، وسمى نبيه، صلى الله عليه وسلم، نوراً؛ لأن النور به الهداية من الظلام، والهداية من الضلال، والدلالة على الرُّشد، فهو سبحانه الهادي، وكتابه كتاب هداية، ورسوله، صلى الله عليه وسلم، يهدي إلى صراط مستقيم، ويهدي إلى الحق بإذنه، وقد جاء نور الكتاب ونور النبوة في وقت كانت البشرية فيه تعيش في ظلام الجهالة الدامس، فعبُد غيرُ الله، واتخذت الأصنام زلفى إليه، وبدلت شرائعه التي أنزلها على رُسله لهداية خلقه، اتباعاً للأهواء وتقليد الآباء، فبزغ نور النبوة بولادته، صلى الله عليه وسلم، التي أضاءت لها قصور الشام في رؤية رأتها أمه آمنة بنت وهب، تحققت بنشر رسالة الله، ونوره الذي أتى به فكان ذلك النور فتحاً مبيناً لما وراء البحار؛ ليشعّ ذلك النور في المشارق والمغارب. * الأمة اليوم تتذكر ولادة ذلك النور، وبزوغ فجره، وتعلم أنها ذات صلة موصولة بنبيها المصطفى، صلى الله عليه وسلم، الذي تركها على بيضاء نقية، ومنهج وسطي. نعم، لقد وصف الله تعالى نبيه بالنور بقوله سبحانه {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}، كما وصفه بأنه سراج منير، والنور هنا هو رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما قال قتادة وغيره، وقال القرطبي: وقد سمّى الله تعالى كتابه نوراً فقال: {وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً}، وسمّى نبيه نوراً فقال: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين}، وهذا لأن الكتاب يهدي ويبين، وكذلك الرسول، صلى الله عليه وسلم. (اهـ). وهو النور الذي عبّر عنه عمه العباس، رضي الله تعالى عنه، بين يديه بقوله في القصيدة التي استأذن ابن أخيه، صلى الله عليه وسلم، لينشده إياها فقال له: قل لا يفضفض الله فاك، فقالها، ومنها قوله: وَأَنت لما ولدت أشرقت ... الأَرْض وضاءت بنورك الْأُفق فَنحْن فِي ذَلِك الضياء وَفِي ... النُّور وسبل الرشاد نخترق نعم، نحن في ذلك الضياء، ضياءُ شريعته السمحة، وهديه الرباني الرحيم، ومنهجه الحكيم، وسماحته المثلى، وأخلاقه العظيمة؛ نخترق طباق الأرض، ففتحت المشارق والمغارب، في وقت قياسي، لأنه نور الله الذي جاء به لخلقه وعباده. الأمة اليوم تتذكر ولادة ذلك النور، وبزوغ فجره، وتعلم أنها ذات صلة موصولة بنبيها المصطفى، صلى الله عليه وسلم، الذي تركها على بيضاء نقية، ومنهج وسطي، فترى أنها تتعثر في الطريق المستقيم الذي كان عليه وجاء به، ولا تعلم أن سبب ذلك هو ابتعادها عن منهجه القويم، حيث سمحت لمن يشذّ عن ذلك المنهج بغلو، وتفريط، فالغالي نفر وأساء لنفسه وأمته وشرعه، والمفرط ضيّع دينه الذي هو عصمة أمره، وكان بالإمكان أن يكونوا جميعاً كما أراده منهم من المحبة والاتباع ونشر دين الله في الأصقاع. تتذكر ذلك في شهر ولادته، لأن الشيء بالشيء يذكر، وللتأريخ أثرٌ في إحياء النهضة التي تنشدها الأمم، وتكون الذكرى بإحياء السيرة العطرة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذكر شمائله وسنّته، ليكون باعثاً على كمال محبته التي هي شرط الإيمان، وكمال متابعته التي هي برهان الصدق على المحبة، وعلى كثرة الصلاة والسلام عليه، التي هي من أجلّ طاعات الرحمن، وسبباً للقرب منه، صلى الله عليه وسلم، في الجنان. فما أحوجنا لكل ذلك في هذه الأزمان التي أصبحنا فيها غرباء، تداعى علينا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .