من لديه دولة ومؤسسات ومنجزات حضارية وكيان راسخ يخشى على هذا كُله ويسهر على استمراره، ويعمل ألف حساب وحساب لحمايته وعدم المجازفة بقرارات تعرضه للخطر أو الزوال. بعكس الخيارات الشمشونية التي يمارسها من لا يملكون ما يخافون عليه. لأنهم باختصار لا يملكون شيئاً باستثناء غنائم سطوا عليها هنا وهناك وفي غفلة من التاريخ. ولو كان لأي منظمة إرهابية أي إحساس بأنها إفراز عضوي للتاريخ وكينونة سياسية واجتماعية قابلة للحياة لترددت كثيراً قبل إطلاق الرصاص الأعمى في كل الاتجاهات، وبلا أي تفريق بين طفل وبالغ ورجل دين وعلماني ومسرح وملجأ، فاليأس هو ما يدفع الإرهابي إلى أن يقول عليَّ وعلى أعدائي رغم أن أعداءه هو الذي صنعهم بيديه وبجسده المحترق الذي يفتضح انحيازه التام لثقافة الانتحار والتدمير بدءاً من الذات. الإرهاب يدافع عن دولة تعيش في خياله فقط، لأنها بلا أقانيم، وإن كانت لها أقانيم فهي النار والسكين وشهوة القتل. ورغم وفرة التعليقات والتحليلات لظاهرة العنف المسلح إلا أن هناك بُعداً لم يظفر بعد بالحصة التي يستحقها وهو البعد السيكولوجي، فلو وضعت أي عينة عشوائية من خلايا الإرهاب تحت المجهر النفسي لا تضح على الفور أنها مصابة بعطب بنيوي وفي عمق تكوينها، لأن ما رضعته وحُقنت به من سموم الكراهية والانتقام أصابها بالعمى، وهو عمى ألوان وأديان وأفكار فهي لا ترى غير ما تريد ولا تسمع غير صدى صوتها، لأن الآخر محذوف من معادلتها العرجاء. وحين نقول في حياتنا اليومية عن اليائس الذي تحولت حياته إلى قصة فشل بأن ليس لديه ما يخاف على فقدانه فذلك مثل قابل للتأويل والتعميم قدر تعلقه بظواهر العنف والإرهاب. وما يقوله علماء النفس الذين استوقفتهم ظاهرة العنف هو أن الإرهابي أشبه بالبقة، أو الوطواط، فهو لا يطيق أي ضوء ويعيش ويتناسل في ظلام الجحور، وليس فيه من الدم إلا ما امتصه من ضحاياه. أما خياره الشمشوني فهو الدليل الحاسم على أنه الخاسر في نهاية المطاف، لأن طاقته السلبية مكرسة لتدمير ما أنجزه الآخرون وليس لبناء أي شيء حتى لو كان شاهد قبر. لهذا فإن إفراطه في العدوان ليس دليل عافية، أو فائض قوة، إنه انتحار لكنه آخر من يعلم به!