نتذكر كيف اختار الزعيم السوفياتي «غورباتشوف» مدينة الطائف لإنهاء الحرب مع الأفغان، ووقتها وصفت إحدى الصحف البريطانية أن المملكة دولة عظمى يجب أن تدرك حجمها، وشهدت نفس المدينة اتفاق اللبنانيين الذي أوقف الحرب الأهلية، وفي الأشهر الماضية وقفت المملكة وبعض دول الخليج مع مصر ضد أمريكا وأوروبا اللتين حاولتا الضغط عليها بعد الإطاحة بالإخوان المسلمين مادياً واقتصادياً، لتقوم المملكة وإخوانها بالدعم المباشر والذي فاجأ اللاعبين من الخارج بأن للعرب قوتهم المعادلة لأي ابتزاز جديد، كذلك الأمر مع البحرين عندما هددتها إيران فكان لمسارعة تدخل قوات المملكة رد فعل إيجابي عربي، وسلبي على إيران التي أدركت أن اللعبة أكبر من اللاعب.. مراكز بحوث أجنبية حاولت أن تصف سياستنا بالفاشلة عربياً، وخاصة في سورية ولبنان، وأيضاً تمرد بعض دول الخليج العربي أعضاء مجلس التعاون بالخروج علناً على توحيد العملة، ثم تنفيذ الاتحاد ولولا دبلوماسية الاحتواء والتهدئة في قمة الكويت الأخيرة لحدث الانفجار والانفصال.. أما عالمياً فهناك أزمة مع أمريكا التي أعلنت تخليها عن حلفائها في المنطقة العربية، المملكة ودول الخليج ومصر، وربما في الطريق العراق ودول المغرب، وهي أسباب لها علاقة بجملة تصورات واستراتيجيات اختارت أن تتجه أمريكا نحو مصالح خارج أزمنة الحروب، وأزمات المناطق الساخنة.. جملة هذه الأحداث وغيرها، وحالة اللاتوازن في منطقتنا، هل تفرض علينا في المملكة تحديداً صوغ استراتيجية جديدة للسياستين الداخلية والخارجية، بحيث تكون البدائل ليست صدى لحوادث آنية بل لرسم خطط طويلة الأمد بحيث نضع، وبدون مكابرة، موقعنا الاقتصادي والجغرافي والسياسي الكبير في خدمة أهدافنا وتحديد أولوياتنا وفقاً لما نعيشه من تحديات مقابل المتغير حولنا وفي العالم أجمع؟ من غير المنطقي أن نتجاهل بأن شعبنا شاب يتطور في اللحظة. ويتأثر بعالمه الذي أصبح حياً صغيراً في هذا الكوكب، ولذلك فلديه تطلعاته ومطالبه ورسم خرائط مستقبله، وهو معيار قوتنا نجاحها أو إخفاقها، وبالتالي لا نجد قراءة دقيقة وتحليلية تراعي جميع الفوارق والتوجهات الاجتماعية والدينية، والفراغ الهائل، وأبعاد تنافر الأجيال مع بعضها، وكيف نصل إلى إيجاد منافذ لكل المطالب التي لا نستطيع إغفالها أو إخفاءها، والتعاطي مع مختلف الظروف بوعي هذه اللحظة وبناء المستقبل وفق خطط بعيدة.. السياسة الخارجية لا تستطيع بناءها على دبلوماسية «الشيك» المفتوح بحيث تعلن الصفقات المختلفة دون مراعاة المكاسب العليا، وليس من طبيعة العلاقات الدولية حين تختلف مع قوة عظمى استبدالها بأخرى أقل منها، سواء أكانت أوروبية أم آسيوية، إلاّ بوجود فراغ أمني كبير، وهذا ليس هو الحل إذا كان المتغير في السياسة في غالب الظروف سريع التقلبات، وحين ننظر إلى واقعنا العربي، فإن المملكة يجب أن تبني علاقات التماثل مع مصر واليمن كحلقتيْ اتصال ثابت في استراتيجية المستقبل البعيد طالما الأمن القومي أصبح عرضة لتقاسم النفوذ بين قوى اقليمية مثل إيران وتركيا، وقوى دولية كرست سياستها لاستنزافنا مادياً وجعلنا في حالة تبعية لها.. قطعاً شروط رسم خرائط الطرق الطويلة، يحتاج أولاً وأخيراً إلى بناء ذاتي وطني يقوم على تسخير الإمكانات المادية والبشرية في مدار واحد بحيث تكون الوحدة الوطنية قائمة على المسؤوليات التي تتعالى على المناطقية والمذهبية والقبلية؛ بحيث نصوغ مشروعنا الوطني على ثوابت ذات مرتكزات بالواجبات الفعلية على كل مواطن ومواطنة، وحتى نكون على نفس الدرجة من القوة علينا جعْل قوتنا العسكرية بتسليحها وأفرادها وصناعاتها التي يجب توطينها موازية لحجمنا السكاني والاقتصادي ودرع حماية لنا سواء في مفاوضاتنا مع الخارج أو المحيط بنا وهي قضية لابد من إدراكها والتعامل معها سريعاً.