تمارس أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا على وجه الخصوص نوعاً من الانتهازية بمحاولتها استغلال موجة الكراهية ضد المسلمين والأجانب على خلفية الإرهاب الذي ضرب أوروبا، تلك الموجة ازدهرت بعد اعتداءات باريس بشكل رهيب، إذ كان المنفذون منتمين إلى الجنسيتين الفرنسية والبلجيكية من أصول عربية. جاءت الرياح بما تشتهيه الجبهة الوطنية المتطرفة ورئيستها الفرنسية مارين لوبان التي شعرت أن الفرصة قد حان اقتناصها، فانتخابات المناطق في فرنسا على الأبواب، وهذا ما حدث، ففي دورتها الأولى رجحت كفة هذا الحزب اليميني المتطرف ما جعل رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس - الذي ينتمي للحزب الاشتراكي الفرنسي - يعتبر فوز الجبهة الوطنية أمراً ينذر بحربٍ أهلية. وهو في ذلك محق، ففرنسا دولة تفخر بتبنيها شعار "مساواة، إخاء، حرية" كرمز رسمي للجمهورية الفرنسية، وتمكّن اليمين المتطرف الذي تتزعمه مارين لوبان قد يهدد تلك الشعارات التي يراها الفرنسيون قيماً تعود إلى تأسيس الجمهورية الفرنسية الثالثة. التحوّل الذي جرى في انتخابات المناطق وغيّر مسارها في الدورة الثانية، بأن آلت نتائج التصويت إلى الأحزاب الفرنسية التقليدية من الجمهوريين والاشتراكيين، لم يثنِ زعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة عن مواصلة المشوار حتى موعد استحقاق الانتخابات الفرنسية المقبلة في 2017 قائلة: "لا شيء سيتمكن من إيقافنا"، وهو أمر نبّه له رئيس الوزراء مانويل فالس.. ولعل الأحزاب الفرنسية بدأت تستعد مبكراً لخوض غمار هذه المناسبة التي يبدو أنها قد تؤول لأي حزب، إذ يجب أن ندرك بأن المزاج السياسي العام في فرنسا في هذه الفترة مضطرب ومتحول ومشوش، والدليل ذلك التغّير الدراماتيكي الذي طرأ على الدورة الثانية في الانتخابات، كما أن اشتداد الحرب على الإرهاب وما يمكن أن تخرجه من إفرازات قد تدفع بأي حزب من هذه الأحزاب إلى الواجهة. الإشكالية أن وصول الجبهة اليمينية المتطرفة يلقي بظلاله كثيراً، ليس على الداخل الفرنسي فقط، بل حتى على المستوى الخارجي، فالعلاقات مع الدول ستخضع لا محالة لعقيدة الحزب الذي يعادي العرب، ولديه مواقف متشنجة تجاه الإسلام، في وقت يبدو العالم في أمس الحاجة إلى الوحدة في وجه الإرهاب، تلك السياسات قد تدفع العلاقات الفرنسية - العربية ربما صوب بيات شتوي قد يطول ويؤثر على حالة الازدهار والتنسيق المشترك مع كل سكان الإليزيه السابقين التي سادت خلال الفترات الماضية. مارين لوبان برّأها القضاء الفرنسي مؤخراً من قضية تلاحقها منذ خمسة أعوام تتهم فيها بالتحريض على العنف أو الحقد على المسلمين. وبالرغم من تلك البراءة إلا أن لوبان - التي تَعزّز خطاب حزبها القومي والمعادي للهجرة بعد اعتداءات باريس - مصرة على اللعب بنار الكراهية.