ينقسم الفنانون في آرائهم حول توظيف تقنيات التكنولوجيا الحديثة في العمل الفني، فالبعض يتزمت في رأيه تجاه الوسائل التقليدية اليدوية ويصنف الفنون المشغولة في التقنيات الرقمية في درجة ثانية من الفنون البصرية، فيما يذهب فريق آخر إلى أن التقنية أو الوسيلة الرقمية المعاصرة ما هي إلا أداة، ولا يضعف توظيفها في إنجاز الأعمال الفنية من قيمة العمل أو يخرجه من دائرة الفنون الجمالية. لذلك يمكن التساؤل حول واحدة من التجارب الفنية المشاركة في مهرجان الفنون الإسلامية التي توظف تقنية القص بالليزر في أعمالها، وهو الفنان الأمريكي إريك ستاندلي، إذ يعمل الفنان على توظيف تلك التقنية في قص طبقات من الورق المقوى ويجمعها في صيغة واحدة ليشكل عملاً زخرفياً فذاً، تتشكل خطوطه بعمق وتداخل مدروس. هل يمكن النظر إلى أعمالستاندلي بوصفها أعمالاً فنية من الدرجة الثانية لم تتدخل فيها اليد البشرية، أم ننظر إلى العمل بوصفه فكرة قبل أن نحفل بأدوات تطبيقه؟ حتماً ستظل القضية متروكة للنقاش في هذا الجانب فالتنظير الدائر حولها كثير، إلا أن المتابع لتاريخ الفنون عبر العصور يدرك أن الفنون الجميلة دخلت مع بدايات القرن العشرين في إطار مفهوم جديد، ولم يعد الجهد البشري علامة جودة للعمل الفني، كما كان ينظر الوسط الفني إلى أعمال مايكل أنجلو، وإنما تحول إلى جماليات الشكل ودلالة المشروع البصري الذي يطلقه الفنان، فصار المتابع أمام مدارس تغالي في تمجيد الفكرة على حساب الشكل، ومدارس توازن بين الفكرة والشكل. لذلك لا يمكن النظر إلى عمل ستاندلي بمعزل عن المفهوم الذي وصلت إليه الفنون الجملية اليوم، ومن ثم محاكمته وفق راهن التجارب الفنية القائمة عالمياً، فعمل الفنان يحمل فكرة في تقديمه للزخرفة تتمثل في الربط بين السماوي والأرضي، عبر تسمية الأعمال بأسماء أجرام سماوية. من جانب آخر تتشكل رؤية الفنان في تفكيك الدرجة العالية للتجريد في الزخرة التي عرفتها الفنون الإسلامية، إذ يعمل على إنتاج بعد جديد للعمل يتمثل في العمق الذي تفرضه الزخارف المفرغة المتراكمة فوق بعضها، وبهذا يحمل الفنان رؤية مغايرة قابلة للبحث والتأصيل. إضافة لذلك يمثل المشروع البصري القائم في الأعمال وحدة جمالية لا يمكن إلا الالتفات إليها، لما تشكله من انسجام وجمالية على صعيد التكوين، واللون، والوحدة، والتقابل بين الظل والنور، والعمق، والسطح، فالعمل يحمل شروط اكتماله كلها، ولا تمثل تقنية القص بالليزر سوى خلفية للعمل وتاريخه، ولا ترتبط بصورة مباشرة بحضوره في حالة العرض.