فيل ميرسر بي بي سي - سيدني نشأ كريغ موس، وهو سبّاح مقدام يتمتع بالشهرة في أستراليا، بالقرب من بلدة إيدن الساحلية الصغيرة في ولاية نيو ساوث ويلز. وقد سبح كريغ بالقرب من ثلاث من أخطر أسماك القرش في العالم، المعروفة باصطياد حيوان الفقمة؛ والذي يعد مصدر غذائها الرئيسي، فضلا عن اصطياد حتى الحوت الأحدب الذي يهاجر إلى السواحل الشرقية لأستراليا. ومع أن المخاطر المحتملة الموجودة تحت الأمواج لم تردعه في شبابه، فقد عرف كريغ دوماً أن الأمر يختلط على الحيوانات المفترسة ـ وخاصة أسماك القرش الأبيض الكبير، وقرش الثور، والقرش الببري. فهي تخطيء أحياناً فتظن أن البشر، وخاصة راكبي الأمواج الذين ينطلقون في عرض البحر، ليسوا إلا حيوانات الفقمة. وبينما تظل مخاطر الوقوع فريسة لهجمات أسماك القرش ضئيلة جداً، فإن الشواطيء والمحيطات تشكل أهمية للكثير من الأستراليين. لذا، فإن المواجهات التي تحدث مع أسماك القرش تضرب في صميم حسّهم الوطني. ومنذ بداية العام الحالي، تزايدت هجمات أسماك القرش قرب شواطيء ولاية نيو ساوث ويلز، وهي أكثر الولايات الأسترالية كثافة سكانية. فقد تم تسجيل 14 حالة لهجمات أسماك القرش، بما فيها مقتل راكب الأمواج الياباني تاداشي ناكاهارا الذي هوجم بالقرب من بالينا، وهي بلدة ساحلية تبعد 740 كيلومتراً إلى الشمال من سيدني. وبالمقارنة، كانت هناك ثلاث حالات لهجمات أسماك القرش في عام 2014، وخمس حالات فقط في عام 2013. وكرد فعل على هذه التطورات، بدأت حكومة ولاية نيو ساوث ويلز في تشرين الثاني/نوفمبر الحالي تنفيذ أولى مراحل برنامج استراتيجي لحماية السباحين وراكبي الأمواج من هجمات أسماك القرش على شواطيء الولاية. وتبلغ تكلفة هذا البرنامج 16 مليون دولار أمريكي. يقول مارك مانيون، مدير عام شركة مانلي لايف سيفينغ كلوب في سيدني: هناك آراء كثيرة حول أسباب قدوم أسماك القرش إلى هذه المنطقة. لا ريب في وجود كميات كبيرة من الطُعم من الأسماك المفضلة، إضافة إلى الحيتان التي تجوب شواطيء المنطقة، ومن الواضح أن أسماك القرش تتبعها. لكن المياه هنا أنظف بكثير، كما يوجد كثير من الناس فيها. مهما تكن أسباب تزايد حالات هجمات أسماك القرش، فقد اجتاح الذعر الناس في أنحاء البلاد. ورداً على ذلك، قرر كريغ ابتكار عائق مرن لأسماك القرش بطول 300 متر، وعرض 100 متر مصنوع من هيكل متشابك من خيوط النايلون يبلغ عددها 13 ألفا. ويؤلف هذا الهيكل سياجاً مغموراً تحت سطح البحر. وتبلغ قوة التحمل القصوى لهذا السياج 16 طناً للمتر المربع الواحد، كما استغرق بناء هذا الحاجز المرن ثلاث سنوات ونصف، وكلف تصميمه وبناؤه ربع مليون دولار أسترالي (179 ألف دولار أمريكي). يتيح هذا الحاجز لأصناف وأنواع الحيوانات البحرية الصغيرة السباحة عبر الثغرات الموجودة فيه، ولكنه يمنع في نفس الوقت الكائنات البحرية الأكبر من المرور عبره، دون أن يكون فخاً لها. كريغ ليس الشخص الوحيد الذي يريد حماية موطن طبيعي تتعايش فيها سوية الحيوانات المفترسة مع الإنسان. فنحن نشهد تطور قطاع صناعي بأكمله، يدور حول الكشف عن أسماك القرش وردعها. ويهدف هذا القطاع إلى الحفاظ على المياه آمنة للسباحين وراكبي الأمواج، إضافة إلى سلامة أسماك القرش ذاتها.و يتضمن هذا القطاع كل شيء، من الحواجز المغمورة تحت سطح الماء إلى الأسوار المطاطية ذات الردع المغناطيسي، مروراً بالأجهزة الخاصة بالأفراد التي يمكن لراكبي الأمواج أن يرتدنوها. آراء الناس تم اختبار حاجز القرش البيئي، الذي ابتكره كريغ، في شاطيء كووغي بولاية أستراليا الغربية العام الماضي. وسيُستعمل ثانية هذا العام. والآن، قررت حكومة ولاية نيو ساوث ويلز تثبيت الحاجز في ستة شواطيء بالقرب من بالينا. في بدايات هذا العام طُرح في الأسواق منتج جديد، وهو جهاز ردع مغناطيسي لأسماك القرش يشدُّ على المعصم أو حول الكاحل. ويقوم هذا الجهاز بـ تشويش حواس أسماك القرش، حسب قول تشارمين ويلسون، المديرة التنفيذية لشركة شاركبانز أشيا باسيفيك. وتضيف ويلسون: كلما اقتربت أسماك القرش من الجهاز المغناطيسي، ازداد إحساسها بعدم الراحة حتى يصبح أمراً لا يطاق عند اقترابها لمسافة تقل عن متر واحد. تم تطوير ذلك الجهاز في الولايات المتحدة الأمريكية، وصُنع في الصين. ويكلف كل جهاز شركة شاركبانز مبلغ 149 دولار أسترالي (106 دولار أمريكي). وتقول ويلسون إن الطلب على الجهاز في الجزء الشمالي من ولاية نيو ساوث ويلز كان مدهشاً، حتى أنه فاق المعروض من هذه الأجهزة التي هي بحجم ساعة يد. وتضيف ويلسون: كان الأمر عظيماً. ومن المؤكد أن إدارة هذا العمل التجاري تختلف عما كنا نتوقعه. إنها سوق كبيرة تماماً، في الوقت الحالي. عيون في الجو بدلاً من ردع أسماك القرش، تعمل بعض الشركات على توجيه جهودها للكشف عن أماكنها. أحد الأمثلة على ذلك هو جهاز سونار يعمل بالموجات فوق الصوتية. ويمكن لهذا الجهاز أن يحدد شكل أسماك القرش في المياه، وإرسال المعلومات إلى مركز رصد على الشاطيء. وسُمي هذا الجهاز كليفر بووي (أو العوامة الذكية). وعند الكشف عن سمكة قرش في الجوار، يرسل الجهاز إشارات فوق صوتية إلى قمر صناعي، ورسالة أخرى نصية إلى رجال الإنقاذ الموجودين على الشاطيء. تم تطوير الجهاز من قبل شركة شارك أتاك ميتيغيشن سيستيمز، ومقرها في مدينة بيرث، بالتعاون مع شركتي غوغل وأوبتوس للاتصالات. وجرى اختبار تلك العوامة في حوض أسماك سيدني ليتيح التعرف على أنواع مختلفة من أسماك القرش ويميز المسالم منها من المؤذي. وفي الوقت الذي تراقب فيه هذه العوامة حركة أسماك القرش في البحار، تعمل الدرون (الطائرات بدون طيار) كعيون إضافية في السماء، تحلق فوق الشواطيء المزدحمة بالناس. وبذلك، توفر هذه الطائرات رؤية آنية لسطح البحر. في هذه الأثناء، قام متطوعون من أصحاب الطائرات الخاصة بدون طيار بمساعدة أندية ركوب أمواج البحر في المناطق الشمالية من تلك الولاية. وتوصلت دراسة أسترالية أجريت في عام 2013 إلى أن الطائرات بدون طيار قد تكون أكثر دقة، وأقل كلفة من تشغيل طائرات الهيليكوبتر أو الطائرات ذات الأجنحة الثابتة بغرض المراقبة. أمثلة تُحتذى لقد اجتذبت بعض أجهزة ردع أسماك القرش الاهتمام من أنحاء متفرقة من العالم، فالحاجز البيئي الذي ابتكره كريغ حصل على اهتمام مجالس البلديات المطلة على البحر في كافة أرجاء أستراليا، إضافة إلى السلطات المختصة في المملكة العربية السعودية، والمكسيك، وإسبانيا، حسبما قال كريغ. وأضاف: يمكن وضع هذا الحاجز في أي مكان في العالم، وأن يُترك طوال السنة مهما كانت الظروف. كما اعتبر مناصرو البيئة ذلك الجدار البيئي ناجحاً بعد اختباره لفترة استمرت طيلة عام كامل في ولاية أستراليا الغربية. تقول شارين كونيل، وهي من مناصري المحافظة على البيئة: لم تخترق أي من أسماك القرش ذلك الحاجز. وقاد الناس سياراتهم لساعات طويلة فقط من أجل القدوم للسباحة في حدود الحاجز لشعورهم بالأمان. أي أن استجابة الناس كانت هائلة. في الوقت الراهن، يُعد استعمال الشبكات المعدنية الوسيلة الأكثر شيوعاً. لكن هذه الطريقة مثيرة للجدل، إذ يعتقد العديد من مناصري حماية البيئة أنها توقع الكثير من الأحياء البحرية في شراكها وتقتلها، بما في ذلك الحيتان والدلافين والسلاحف. ليس هناك حل مثالي وحسبما يرجح تقديرات كريستوفر نيفّ، الأستاذ بجامعة سيدني، فإن السلطات المحلية والاتحادية قد أنفقت 62 مليون دولار أسترالي (44 مليون دولار أمريكي) خلال السنتين الماضيتين للكشف عن أسماك القرش، وإيجادها وردعها، أو قتلها. لكنه يشكك بأن يؤدي ذلك الاستثمار إلى توفير الحماية الكاملة للسبّاحين وراكبي الأمواج. يقول نيفّ: إننا بعيدون كل البعد عن أية وسيلة تعمل بفعالية كاملة. يجري الحديث هنا عن حيوانات برية، لذا فإن الحصول على أي رد فعل تجاه نهج معين من شأنه أن يقي أستراليا من أسماك القرش لن يكون ممكناً في الحقيقة. ورغم كل ذلك، ومع اقتراب موسم الصيف في الجزء الجنوبي من نصف الكرة الأرضية، فإنه من المتوقع أن يتدفق السواح إلى شواطيء بلدة بالينا في الأشهر القادمة. ويعتقد عمدة البلدة، ديفيد رايت، أن الوقاية من أسماك القرش أمر يستحق استثمار الأموال، ويقول: يسبح الكثير من الناس في مياه البحر، ومن المؤكد أن أفواجاً من السياح ستصل إلينا. ونعتقد أن أعداداً غفيرة من الناس ستكون هنا في موسم أعياد الميلاد. ومع أن السلامة والأمان في مياه البحر في تحسن، لكنه يؤمن بأنه لا تزال هناك مخاطر بالنسبة لأولئك الذين يستعملون الشواطيء الأسترالية. ويضيف: لا زلت أعتقد بوجود حاجة لعمل الكثير (لوقف هجمات أسماك القرش)، لكن لا توجد أجوبة حقيقية بعد. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.