قد يحصل جيمي فاردي ورياض محرز على عروض مغرية، غير أن الفرق التي تحتل منتصف الجدول في الدوري الممتاز قد تقاوم هذه الإغراءات هذه الأيام، كما فعل ساوثهامبتون مع اللاعب ساديو ماني، وإيفرتون مع جون ستون. مر فريق ليستر سيتي صاحب الأداء غير العصري الذي لم يلفت الأنظار كثيرا بفترات قليلة شهد فيها جمهوره كرة قدم حقيقية مثل تلك التي عاشها في عهد المدرب الخبير مارتن أونيل صاحب النزعة الاستقلالية التي أيقظت جماهير المدينة لكن الجماهير تجزم بأن الفريق لم يؤدِ بهذا الشكل الرائع من قبل والأرقام التي وضعته في صدارة جدول الدوري تؤكد ذلك. كان هناك نوع من التعجب من أن رئيس نادي ليستر، مارتن جورج، هبط بالهليكوبتر في النادي في أول يوم شرع فيه المدرب أونيل في إجراء إصلاحاته بالفريق. إجمالا، كان المكان متواضعًا، وكان من أشهر مشجعي الفريق الممثلة روسيتي لي والفتي الذي أدى دور روي كوبر في مسلسل «كورونيشن ستريت». فقد كان النادي لا يزال يستخدم تلك الهواتف الثقيلة ذات القرص الدوار في الأماكن المخصصة للإعلاميين في المدرجات رغم أن ملعب «فيلبيرت ستريت» لم يكن الأسوأ بالتأكيد، فقد كانت هناك تفاوت كبير بين حجم الأكشاك المخصصة للإعلاميين، وكان المدرجات ضيقة في أماكن ومتسعة في أخرى لكن من السهل النظر بحرية من خلال الأبراج. وفي إحدى المباريات أمام أستون فيلا أخذت الجماهير تشير إلى السطح باستنكار مرددة هتاف «ما هذا؟». حدث هذا عندما حان وقت الانتقال إلى الملعب الجديد وشرع العاملون في نقل بعض قطع الأثاث بعدما أدركوا أن المكان مليء بالقوارض. لكن بفضل الروح والألفة والأخوة، نجح الفريق في أن ينهي الموسم ضم الأربعة الأوائل بدوري الدرجة الأولى، وواصلوا النجاح بالتأهل للممتاز بعد أول موسم مع مدربهم أونيل. ذهب هذا الفريق إلى ملعب أنفيلد أربع مرات حيث فاز في 3 لقاءات وتعادل في الرابع، لقد وصل الفريق إلى ملعب أنفيليد معقل ليفربول 4 مرات كسب 3 منها وتعادل في الرابعة، كما وصل الفريق إلى نهائي كأس المحترفين 3 مرات، فاز في اثنتان منها ليحملوا الطبق الفضي للمرة الأولى منذ عام 1964. يتذكر الجميع مهاجم آرسنال دينس بريجكامب وعبقريته الارتجالية التي ظهرت في هدفه الثالث في ملعب فيلبرت ستريت الخاص بليستر، ففي إحدى أمسيات أغسطس (آب) عام 1997، عكس الهدف نوعا من الغرور غير المسبوق بالنسبة لهذا اللاعب الهولندي. لكن ما نسيه الناس أن الهدف جاء في الدقيقة الثالثة من الوقت بدل الضائع، بيد أن ليستر استطاع إدراك التعادل بهدف استثنائي لتنتهي المباراة بنتيجة 3 - 3. لقد سبق أن حقق ليستر انتصارات فريدة حيث فاز ليستر بملعب أولد ترافورد (الخاص بمانشستر يونايتد) وكذلك بملعب «إلاند رود» الخاص بليدز في الوقت الذي كان تحقيق الفوز فيه على فريق بحجم ليدز يعني الكثير. لم ينحنِ ليستر أمام أي فريق، وتذكر تشيلسي هذه المقولة بعدما مرَّ بمناسبة مزعجة أخرى بالملعب القديم منتصف الثمانينات، ووصف كين باتس رئيس تشيلسي حينها ما شاهده من ليستر قائلا: «كانت كرة قدم حقيقية». بالنسبة لجماهير ليستر التي سارت وراء هذا الفريق، بالتأكيد من السهل التيقن من الخصائص التي انتقلت للفريق الحالي من العهد السابق، إذ يكمن جوهر تلك الخصائص في أنهم نجحوا في انتزاع الكثير من النقاط هذا الموسم مقارنة بالتي خسروها الموسم السابق، وأكثر من أي فريق آخر في الدوري الممتاز، بيد أنه ما زال هناك الكثير يمكن أن يقال عما يتحلى به هذا ليستر الحالي غير خاصية قوة الشخصية والعزيمة. ففريق ليستر يؤدي بمهارات عالية بشكل أربك الخصوم، ويتفاخر النادي بلاعبيه الاستثنائيين اللذين ظهرا حتى الآن في الموسم الحالي، حتى وإن اختلف المراقبون في تقييمنا لمن منهما يستحق أن يكون الأول، هل جيمي فاردي أم رياض محرز؟ فقد أجبر المدرب كلاديو رانييري الكرة الإنجليزية على تقييم إمكانياته في ظل وجود آخرين ممن يجيدون استخدام وسائل التحايل وإثارة الضجيج من الجالسين وراء مقاعدهم. ولذلك ليس هناك فريق في هذه المسابقة يتمتع بمناخ أفضل مما يتمتع بعه فريق ليستر. والأهم من كل ما سبق، فقراءة جدول المسابقة لا تخلو من الكثير من السخافة عندما تدرك أو تستنتج أن ليستر قضى أيامًا أكثر على قمة الجدول (19 يومًا) أكثر مما قضاها مانشستر سيتي (10 أيام) منذ تقاعد السير أليكس فيرغسون من تدريب يونايتد قبل عامين ونصف العام. بمقدور فريق ليستر بقيادة رنييري الاستمرار لوقت أطول بعد الانتصار علي تشيلسي أول من أمس، وهو الفريق الذي سبق للمدرب الإيطالي قيادته. وسوف يتقابل ليستر في الأيام المقبلة مع إيفرتون، وليفربول، ومانشستر سيتي. وعندما نصل لتلك المرحلة سوف يكون قد قطع نصف الطريق في الموسم، وإن استمرت الفقاعة من دون أن تنفجر فسوف يكون الوقت قد حان كي ندرك أن الفقاعة صُنعت من شيء أقوى من مجرد الماء والصابون. هل نحن فعلًا نناقش الآن أمر فريق كانت فرص فوزه بالبطولة عند بداية الموسم لا تتجاوز نسبة 1 إلى 2000، وكانت التوقعات بين مشجعيه ترجح هبوطه للدرجة الأدنى؟ دعنا لا نبتعد عن الموضوع ونكتفِ بالقول إنهم قد يستحقون اعتذارًا لا يخلو من الخجل ممن لم يروا في هذا الفريق شيئًا سوى صراع طويل لإبعاد أصابع الهبوط ومنعها من الالتفاف حول رقابهم لجذبهم للأسفل. ربما هذه مجرد لمحة بسيطة مما يتعين علينا توقعه في الدوري الممتاز في السنوات المقبلة، ولا يعتبر أمرًا سيئًا أن نرى الفرق الكبيرة تحنى رؤوسها أكثر من المعتاد. بكل تأكيد يبدو أن مناخ كرة القدم الإنجليزية قد أخذ في التغير، حتى وإن بدا التغير بسيطًا. ووفقًا لتصريح أحد المسؤولين التنفيذيين في الفرق الأربعة الكبرى المعتادة فإنه يتوقع تغييرا كبيرا في ترتيب تلك الفرق الأربعة في الجدول في ظل توقيع عقد البث التلفزيوني. فكل أندية المقدمة الآن أصبحت ثرية أو بالغة الثراء، ولم يعد هناك نادٍ معدم كما كان في السابق. وبالنسبة لأندية الوسط، فالوضع الجديد يعنى فارقا جوهريا، فلم يعد يتحتم عليهم بيع أفضل لاعبيهم. فبمقدورهم أن يقولوا لا بمنتهى الثقة مثلما حدث مع تشيلسي الموسم الماضي عندما حاول التفاوض مع نادي إيفرتون للحصول على خدمات لاعبهم جون ستون، وعندما حاول مانشستر يونايتد شراء ساديو ماني من نادي ساوثهامبتون. ويعتبر نادي إيفرتون أكبر مثال على ذلك، فلديهم لاعبون مثل ستون، وروس باركلي، وروميلو لوكاكو، وليتون بينز، وجيرارد ديلوفو. فإن استمر ناديهم في الرفض الصيف المقبل، ووقفوا ضد رغبة مانشستر يونايتد في ضم اللاعب ستونز، فسوف يكون أمرا طبيعيا أن تعتقد أن بمقدورهم أن يطمحوا في الوجود بين الأربعة الكبار خاصة في حال نجحوا في ضم بعض اللاعبين الجدد. نادي وستهام أحد الأندية التي يتوقع أن تشكل تحديا في السنوات المقبل. قد يحتاج الفريق بعض الوقت للتأقلم، لكن الفارق يتضاءل، وسوف يكون مثيرًا رؤية طموح ليستر في موسمي الانتقالات المقبلين. السؤال الجوهري الآن هو ماذا سيحدث في نهاية الموسم عندما تبدأ فرق أخرى في فرز أفضل لاعبيها؟ كيف سيكون رد فعل ليستر في حال مثلا تلقى عرضًا بقيمة 25 مليون جنيه إسترليني للتنازل عن اللاعب محرز، أو أن أحدًا أبدى اهتمامًا كبيرًا لشراء فاردي. فبعد تألق اللاعبين بشكل لافت وفوزهما بجائزة «أفضل لاعب خلال الشهر»، من المتوقع أن يكونا محور المنافسة في سوق الانتقالات الشتوية.