يوافق يوم الجمعة المباركة 18/ ديسمبر/ 2015 اليوم العالمي للغة العربية. وهو من الأيام التي اعتمدتها اليونسكو ومن ثم الأمم المتحدة. في هذا اليوم يحق للغتنا الجميلة أن نحتفي بها، وذلك بالبحث الواسع عما يطورها، ويزيل عنها الزيادات التي حملتها سنين عديدة، ولم يعد لها مكانة أو قبول في هذا العصر. مثال ذلك أن يعيد المختصون النظر في تسهيل النحو، وإشاعة قبول الأساليب الأجنبية طالما أنها تُسبك بلغة عربية فصيحة. وأذكر في هذا الصدد أن أحد علماء العربية قاطعني مستنكرا استعمالي كلمة: الشفافية. وقال إنها ليست موجودة في المعجم العربي. نشطت مجامع اللغة العربية القائمة على التعريب وهو نشاط محمود. لكن التعريب بالصورة التي عليها اشغال المجامع العربية يظل قاصرًا. في هذا اليوم أسعد أن أدوّن سوانح كانت تعنّ لي مما يدخل في باب التعريب. وهذا الباب ليس جديدا، ولكنه يسير ببطء. وقد خطر في بالي أن أستنهض همم المسؤولين في مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية. وهو من أحدث المراكز بدراسة أوضاع اللغة العربية وأحوالها. ويرأسه متخصص ومثقف وهو أخي الدكتور عبدالله الوشمي. ولديهم في المركز خطط واسعة ما يدخل في برامج المجامع اللغوية وما يدخل في برامج الجامعات العربية. ولعلي أتوسع مؤملاً أن ينهض المركز بعقد ندوات تخصصية تعالج ما بدأته المجامع اللغوية، ويكون عملها البحث في تطوير اللغة: نحوا وصرفا وأسلوبا وتعريبا، والنهوض الجاد نحو استكمال المعجم اللغوي التاريخي إذا كان العمل قد توقف فيه. لا تقل اللغة العربية عن أوسع اللغات في كثرة المفردات، ولكنها من أفقرهن في المعاني. تبلغ مواد المعجم العربي أكثر من مئات الألوف، ولكن نصيب اللغة العربية من المعاني التي يحتويها ذلك العدد الكبير من المواد متواضع جدًا. وسبب ذلك أن نشأة اللغة العربية ونموها إنما كانا في منازل القبائل العربية، لهذا يصح أن يُقال إنها مجموعة لغات بعدد القبائل العربية في جزيرة العرب. لأننا نلاحظ أن الشيء الواحد له عدة أسماء، وقد تبلغ المئة اسم مثل أسماء السيف أو الخمر، وهذا ما جعل اللغة العربية لغة مرادفات لا لغة معان. نحن أحوج ما يكون لكلمات تصف المعاني الجديدة أو مرادف أو اثنين لمعان قديمة. ولسنا في حاجة لمرادفات كثيرة على حساب معان قليلة. ظلت اللغة العربية محصورة في جزيرة العرب، تجدها في مضارب البادية، وعندما خرجت إلى فضاء الله الواسع، واضطرت لأن تتعرف على لغات جديدة، وجدت نفسها قاصرة عن تأدية المعاني الكثيرة غير الموجودة في مضارب القبائل العربية. وازداد الأمر شدة عندما شرع المترجمون من العرب أو من المستعربين إلى نقل الفلسفة اليونانية والعلوم الطبيعية من لغة اليونان والسريان وغيرهما إلى اللغة العربية، أدخل المترجمون كلمات وأوزانا واشتقاقات لم تكن معروفة من قبل. هذا الاحتكاك العلمي أثرى اللغة العربية. وهو في ظني أول احتكاك لغوي، أما الثاني فقد حدث في أول هذا القرن عندما واجهت اللغة العربية انتشار العلم الحديث باكتشافاته واختراعاته التي لم تكن تخطر على بال العرب الأوائل في البوادي والأمصار. واليوم تواجه اللغة العربية احتكاكًا أشد وطأة وأقوم قيلا من الاحتكاكين الأولين. هذا الانفجار المعلوماتي وتوالد المعاني والاشتقاقات ودخول كلمات أجنبية إلى اللغة المحكية لا أصل لها في العربية الفصحى. وقد نهضت مجامع اللغة العربية بدور التعريب. وهو دور يظل دون المستوى المطلوب. وفي ظني أن أمام اللغة العربية وعلماء العربية طريقين: الأول تقريب الكلمات الدارجة غير الفصيحة وجعلها وعاء لكثير من المصطلحات العلمية والفنية. والطريق الثاني هو نقل المصطلحات الأجنبية الكثيرة جدًا والتي لا مقابل لها في صورة إكساب اللفظ الوزن والنطق العربي كما فعل المترجمون في العصر العباسي. وكما هي الحال في بعض الكلمات الأعجمية في القرآن الكريم. والطريق الثاني يراه بعض مفكري النهضة العربية عبثا لا فائدة منه مثل الكاتب عباس محمود العقاد. وهو رأي لا أراه يصمد أمام تدفق المصطلحات والأسماء الأجنبية بما لا قِبل بلغتنا الجميلة على استيعابه فضلا عن هضمه. وقد نشطت مجامع اللغة العربية القائمة على التعريب وهو نشاط محمود. لكن التعريب بالصورة التي عليها اشغال المجامع العربية يظل قاصرًا. ولعل النحت اللغوي من الكلمات الأعجمية يمكن أن يسد النقص في البحث عن بديل يؤدي معنى المصطلحات الأجنبية. فكلمة جوجل google يمكن إدخالها في اللغة بتحريف بسيط ونقول: يجوجل وجوجل جوجلة ومجوجل إلى آخر السلم الاشتقاقي العربي. وكل عام ولغتنا جميلة وقوية وعالمية.