للفنون بصفة عامة قدرة على المقاربة بين الشعوب، بل وحتى تشاركهم في المشاعر والأفكار، وذلك خلال ما تحمله عن أولئك الغائبين من فيض العقول والقلوب، وكم من قصيدة أو قصة أو رواية قرأتها يوما وشعرت أنك ذاك البطل فيها، أو الناظم لأبياتها لكثرة ما وجدت من تفاصيلك الصغيرة بين ثنايا حروفها. إنه الأدب، الفن الإنساني الراقي جدا الذي ينبع من الداخل ويصل أيضا إليه، وإن حضر غابت أشياء أخرى لا يتواءم معها مطلقا، وإن كانت هي أيضا تحمل أفكارا ومشاعر غير أنها لا تحمل الصفاء والتسامح نفسه. مساء الثلاثاء الماضي، كنا نعانق الأدب مع غيوم أبها في ناديها الأدبي ومع أدبائها وأديباتها الرائعين، نغزل من الحرف رداء زاهيا بالألفة والتسامح، حضر معنا الوطن وحده، وتوارت كل الحواجز الوهمية التي تتلاشى في حضرة الأدب، بل ترى الصفاء الذي كان سائدا في علاقات الأجداد، فلا ضغائن ولا ريبة، تلقائية ومشاركة في الهم، ونقاش راق حول قضايا مجتمعنا والتي ضخمها البعض حتى باتت حواجز تفصل بعضنا عن الآخر. وفي تلك الأمسية أيضا كان الجنوب طاغيا في الحضور، ليس في ضيوف الأمسية والجمهور، بل وفي البساطة والكرم الجم، وتلك القامات التي حملت مع سمو الفكر تواضعها ورحابة صدرها، فكان الترحاب الفائض شعارا لا ينفك تردده الألسن من رئيس النادي إلى الأعضاء إلى فراشات الضوء "كفى" و"عبير" و"زهرة" ينثرن النور الذي يبعد الظلام عن جنبات صرح عسير الثقافي الذي أثبت بجهودهم أنه من أكثر الأندية الأدبية اهتماما بالحراك الثقافي وتفعيلا له، ومع أن مناشطه لا تسلم من بعض الاجتهادات المتجنية، والتي تصل حد الاتهام الباطل، إلا أن رجاحة عقول منسوبيه تتسع لنزق الحروف وتطرف الحديث، وتعالج تلك المواقف بهدوء ينهيها دون أن تؤثر على خطط النادي في سبيل النهوض بثقافة المنطقة ومثقفيها. ما هو جميل ولافت، مشاركة النادي في الأنشطة الاجتماعية والتربوية في المنطقة، وهذا من شأنه كسر الحواجز بينه وبين الجمهور، وتعريف برسالته السامية في المجتمع، وقد تجسد ذلك في مشاركته كداعم لتعليم عسير في استضافته للتصفيات النهائية للنشاط المسرحي لمدارس الجنوب، والذي هو الآخر أعطى أملا أن الفنون الجميلة قد تحضر بقوة يوما ما.