أرادت الشركات الكبيرة شيئا واحدا من اتفاق المناخ في باريس أمس هو تسعير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفي حين يبدو ظاهريا أن آمالهم قد تبددت فإن إلقاء نظرة عميقة قد يبعث على الأمل. وبحسب "رويترز"، فقد طالبت الشركات متعددة الجنسيات مثل "بي. بي" العملاقة للنفط، و"يونيليفر" للمنتجات الاستهلاكية بالتوصل إلى أسلوب متفق عليه عالميا لتسعير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون - الغاز الذي يقول العلماء إنه السبب الرئيسي في ارتفاع درجة حرارة الأرض - لإيجاد الحافز لمحطات الكهرباء والمصانع للتحول إلى أنواع أنظف من الطاقة. ورغم أن بعض الدول يعارضون ذلك ويرفضون تبني حل معتمد على آليات السوق، إلا أن اتفاق باريس يتضمن إشارة ضمنية إلى ما يعتقد بعض المحللين أنه قد يبني في نهاية المطاف جسرا صوب آلية عالمية لتداول انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. والجزء الملزم من الاتفاق الذي وافقت عليه نحو 200 دولة يسمح للدول بتعويض انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون بشكل طوعي عن طريق شراء الأرصدة من الدول الأخرى، ويقول المحللون أن ذلك قد يفضي في مرحلة ما إلى ربط نظام تداول انبعاثات الاتحاد الأوروبي - وهو حاليا أكبر سوق لأذون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم - وبرنامج التداول الصيني المقرر تدشينه في 2017، الذي سيصبح الأكبر في العالم. وقال يان أندرياسن المحلل في "آي. سي. آي. إس تشاش سوليوشنز" إنها إشارة مهمة في سياق إمكانية إنشاء آلية لتوزيع الأرصدة وبدرجة ما تسهيل ربط برامج تداول الانبعاثات المحتملة في المستقبل، ومن المستبعد أن يحدث ذلك بالسرعة التي تريدها بعض قطاعات الأعمال. لكن بعد الاتفاق بفترة وجيزة، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إنه سيسعى إلى بناء تحالف للدول الراغبة في تسعير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وترد الإشارة المباشرة الوحيدة في اتفاق باريس إلى "تسعير الكربون" في الجزء السياسي غير الملزم من النص حيث تقر الدول بأهمية توفير الحوافز لأنشطة تقليص الانبعاثات بما في ذلك أدوات مثل السياسات المحلية وتسعير الكربون. واعتبر المندوبون أن استخدام لغة أقوى في الاتفاق الدولي كان سيضر بالإجماع الهش، وأوضحت كاثرين مكينا وزيرة البيئة الكندية أن بعض الدول المشاركة في مؤتمر باريس كانت تعارض أي دور للأسواق في مكافحة تغير المناخ، مضيفة أن دول عديدة تدرك أنه ينبغي أن تضطلع الأسواق بدور وسواء ظهر ذلك في لغة الاتفاق أم لا فستظل الأسواق تضطلع بدور. وأشار جيف سوارتز مدير السياسة لدى الرابطة الدولية لتداول الانبعاثات إلى أن هذا يظهر أن عملية تسعير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ستتسارع بغض النظر عن اتفاق باريس النهائي، وسنرى أكثر من نهج لتسعير ثاني أكسيد الكربون، وبعضها سيحدث من خلال تلك العملية والبعض خارجها. في سياق متصل، أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمس باتفاق المناخ ووصفه بـ "القوي والتاريخي" معتبرا أنه يمثل أفضل فرصة لإنقاذ كوكب الأرض من آثار التغير المناخي العالمي. وقوبل الاتفاق بإشادة كبيرة كأول اتفاق عالمي للتغير المناخي يلزم دول العالم سواء الغنية أو الفقيرة بالسيطرة على الانبعاثات المسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة الكوكب ويضع هدفا شاملا على المدى الطويل للقضاء على الانبعاثات الضارة التي يتسبب فيها البشر. وقال أوباما إنه لا يوجد اتفاق كامل بما في ذلك هذا الاتفاق، معتبرا أن المفاوضات التي تشمل نحو 200 دولة دائما ما تمثل تحديا، وحتى إذا تم تحقيق جميع الأهداف الأولية التي وضعت في باريس سنكون حينها قد قطعنا شوطا من الطريق عندما يتعلق الأمر بخفض الكربون في الغلاف الجوي، لذلك يجب ألا يتملكنا الرضا عن الذات بسبب الاتفاق، مشيرا إلى أن المشكلات لم تحل بسبب هذا الاتفاق، لكن بلا أدنى شك يضع اتفاق باريس إطار عمل قويا يحتاج إليه العالم لحل أزمة المناخ. وفي حديثه في البيت الأبيض بعد ساعات من إكمال الاتفاق قال أوباما إن الاتفاق علامة بارزة على الطريق، وكما أن هذا الاتفاق يوجه إشارة قوية مفادها أن العالم ملتزم تماما بمستقبل منخفض الكربون قادر على إطلاق استثمارات وابتكارات وطاقة نظيفة على نطاق لم نشهده من قبل، مضيفا أن الأهداف التي حددناها جريئة وبتمكين الشركات والعلماء والمهندسين والعمال والقطاع الخاص والمستثمرين للعمل معا سيمثل هذا الاتفاق أفضل فرصة لدينا لإنقاذ الكوكب. وجعل أوباما من مكافحة التغيير المناخي العالمي أولوية قصوى لرئاسته لكن مقترحاته قوبلت بمقاومة شرسة من قبل الجمهوريين في الكونجرس، وعلى خلاف اتفاق كيوتو الذي جرى التوصل إليه في فترة رئاسة الديمقراطي بيل كلينتون لن يكون اتفاق باريس معاهدة ملزمة تماما من الناحية القانونية وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يدفع الكونجرس إلى رفضها تماما. ووصف أوباما الاتفاق بأنه نقطة تحول، معتقدا أن هذه اللحظة يمكن أن تكون نقطة تحول في العالم، فقد "أظهرنا أن العالم يملك الإرادة والقدرة على مواجهة هذا التحدي، ولم يكن ذلك سهلا وإحراز تقدم لا يأتي سريعا عادة، ولا يجب أن يتملكنا الرضا عن النفس. فجيلنا قد يشهد بعض مزايا بناء اقتصاد يعتمد على الطاقة النظيفة وتوفير فرص العمل والادخار لكننا لن نشهد تحقق الإنجاز كاملا. لكن لا مشكلة. المهم هو أننا اليوم على ثقة أكبر في أن هذا الكوكب سيكون في حال أفضل للجيل القادم. وهذا ما يهمني". ويضع اتفاق باريس نظاما لضمان أن تفي الدول بجهود محلية للحد من الانبعاثات وتوفير مليارات الدولارات الإضافية لمساعدة لدول الفقيرة في التحول إلى اقتصاد صديق للبيئة. ويأمل مسؤولون أن يمثل الاتفاق بادرة قوية لسكان العالم وإشارة محتملة للمديرين التنفيذيين والمستثمرين بتوقع إنفاق تريليونات الدولارات لاستبدال الطاقة المعتمدة على حرق الفحم بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.