من هو المجنون الذي لا ينشد السعادة؟! عن نفسي أقول مثلا وبدون أي مواربة، إنني أتمنى أن أكون أسعد خلق الله في هذه الدنيا الفانية، ولولا أن أتهم بالأنانية لتمنيت أن أكون السعيد الوحيد على سطح هذا الكوكب. وقبل مدة قرأت بحثا أجرته (مؤسسة الاقتصاد الحديث) البريطانية، عن رفاهية الفرد من حيث التمتع بحياة سعيدة وطويلة وذات مغزى. وقد شاقني ذلك البحث وأثار حماسي ـ غير أنني تفاجأت عندما جاءت (كوستاريكا) على رأس قائمة أفضل دول العالم، وحلت (جامايكا) بالمرتبة الثانية و(غواتيمالا) بالمرتبة الثالثة. وجاء تقويم الدول الغنية والمتقدمة علميا ضعيفا للغاية، فجاءت بريطانية مثلا في المرتبة 74، وتلتها ألمانيا، أما اليابان فكادت أن تكون في ذيل القائمة. والغريب أنني وجدت أن الترتيب ينعكس (رأسا على عقب) في حالات (الانتحار)، حيث إنها تزداد في الدول الغنية والمتقدمة، وتقل في الدول الفقيرة والمتخلفة. ووقفت مشدوها أسائل نفسي: هل أريد أن أكون غنيا ومتقدما و(تعيسا)، أم فقيرا ومتخلفا و(سعيدا)؟!، الوقع أنني وقفت (محتارا ومتبلما)، لأنني أريد أن أمسك المجد من طرفيه، عندها لم أملك إلا أن أصاب بالإحباط وهو الذي يقود إلى التعاسة، وبعدها الشقاء، ثم الانتحار. وتذكرت زيارتي الوحيدة قبل أكثر من عشر سنوات لأسعد دول العالم (كوستاريكا) ـ هذا قبل أن أقرأ ذلك البحث ـ ، وكان من المفروض أن أمكث فيها أسبوعين، غير أنني اختصرت إقامتي إلى أسبوع واحد لعدة أسباب. أولا: صدمت لمستوى الجمال المتدني للنساء هناك، وأنا حينما أقول هذا الكلام أرجو ألا يخطر على بال أحد أنني أبحث عن عروسة، لا أبدا والحمد لله، ولكنني مثلما يقال: أحب أن (آكل وش) ـ أي أن أتصبح بوجه مليح ـ ، فالله جميل يحب الجمال. وثانيا: صحيح أن الطبيعة هناك غاية في الروعة، ولكن يخرب ذلك كله حيوان زاحف يقال: (اغوانا)، وهو أكبر من الضب وأصغر من التمساح، وهو ينتشر في كل مكان، وهم يحبونه ويحترمونه، والويل لك أن تحتج حتى لو دخل معك في السرير تحت لحافك. وثالثا: صحيح أيضا أن الشواطئ أكثر من رائعة، وهذا ما جعلني في اليوم الثاني من وصولي أرمي نفسي في البحر من الصباح الباكر حتى الغروب، وبما أنني بدوي (بنمرة واستمارة) فلم أدهن جسمي ضد التهابات الشمس، فتقرح جلدي، ومكثت بعدها أربعة أيام بلياليها أتعالج، وبعدها حجزت فرارا بأول طائرة مغادرة. ولا أدري كيف يكون الإنسان هناك سعيدا، وأنا لم أسعد؟!