×
محافظة المنطقة الشرقية

أمير مكة: مدينة الملك عبدالله الاقتصادية مشروع استثنائي من ملك استثنائي

صورة الخبر

حاز الاحتفال التأبيني لنيلسون مانديلا شتى الأوصاف التفضيلية. أعظم لقاء وأعظم مناسبة وأعظم تشييع لرجل من العظماء. لفت نظري منها الوصف الذي جاء به أحد كبار الصحافيين عن خطاب أوباما في المناسبة. قال كان أعظم خطاب ألقاه الرئيس الأميركي في حياته. كثيرا ما يبدع الإنسان أعظم إبداع عندما يمس الموضوع ذاته شخصيا. نلاحظ ذلك في شتى الروائع الفنية والأدبية. أروعها ما كان يتصل بحياة صاحبها. هكذا أبدع فيردي بأوبرا لاترافياتا وبيتهوفن بالسيمفونية الخامسة وشكسبير بهاملت والمتنبي بهجائه لكافور وتولستوي بالحرب والسلام والجواهري في رثاء أخيه جعفر. كذا جاء في تأبين أوباما لنيلسون مانديلا. لقد لقي الرئيس الأميركي الأسود صنوه في الزعيم الأفريقي الأسود. فكان يمثل صراعه الشخصي من أجل المساواة وسعي الرجل الأسود للسؤدد وتطلعه للعدالة الاجتماعية وتحسين أحوال الضعفاء والمحرومين، وأكثر من ذلك المساومة مع الوضع القائم. لقد اضطر كلاهما للاعتراف بالواقع والتعامل في مدار الواقع وقبول ما يمكن على حساب ما ينبغي. في مسيرة حياته، نرى رجلا نال مكانة في التاريخ بفطنته وعزيمته وإيمانه. أرانا ما هو ممكن ليس في الكتب التاريخية فقط وإنما في حياته أيضا. ما إن بدأ أوباما خطابه الذي استغرق 20 دقيقة حتى سارع لمخاطبة الجمهور الأسود: كان نضاله نضالكم وكان انتصاره انتصاركم وعبرت حياته عن كرامتكم وعن تطلعاتكم. كان يقصد بهذه الكلمات نضال نيلسون مانديلا ولكنه كان يشير في الواقع إلى حياته هو وإن اختلفت عن حياة مانديلا. فكان محظوظا في العيش في بلد لا يُسجَن الإنسان فيه بسبب أفكاره وسعيه من أجل المساواة. فلم تسجن المحكمة الفيدرالية الأميركية أوباما لسعيه من أجل المساواة وحقوق الإنسان كما سجنوا مانديلا في جنوب أفريقيا. ويمضي أوباما ليطرز خطابه بأسماء عظماء آخرين، غاندي ومارتن لوثر كينغ ومحرر العبيد أبراهام لينكولن. ولا شك أنه كان يحلم بإضافة اسمه للقائمة. لم يعلمنا مانديلا قوة العمل فقط بل كذلك قوة الأفكار وأهمية العقل والمناقشة والحاجة لفهم ليس من يتفقون معك في الرأي فقط وإنما كذلك فهم من يخالفونك في الرأي أيضا. لفت نظري في كلام الرئيس الأميركي إشارته إلى تنحي مانديلا عن الحكم بعد انتهاء دورته الأولى كمأثرة من مآثر نظيره الأفريقي. لماذا حشر هذه النقطة في خطبته؟ أكانت تنفيسا لمشاعر ندم في قلب أوباما في قبول رئاسة ثانية وتحمل مسؤوليات وخطايا دورته الثانية التي تميزت بكثير من التخبطات والإحباطات، لا سيما فيما يتعلق بمسألة سوريا وبقية قضايا الشرق الأوسط؟ لا يتمالك السامع لخطابه - كما استمعت - غير أن يلاحظ تصاعد نبرته الخطابية وتشنج وجهه كلما عرج إلى مواضيع حقوق الإنسان والمساواة والفقر والغنى. وكلها مواضيع آمن بها مثلما آمن بها مانديلا وتعثر كلاهما في السعي إليها. شكرا! شكرا! شكرا! ظل أوباما ينادي جمهور الإنسان الأسود في ضجيج تصفيقهم للرجل الأسود الذي ملك أخيرا زمام العالم. نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.