بغداد رويترز بينما تضيِّق القوات العراقية الخناق على مدينة الرمادي غرب البلاد؛ يحتجز تنظيم «داعش» الإرهابي آلاف المدنيين رهائنَ داخلها، إذ يريد استخدامهم دروعاً بشرية. ويؤكِّد سكانٌ أن الحياة باتت أصعب بالنسبة لآلاف المحتجزين داخل المدينة، مع ازدياد تحوُّل مزاج المتطرفين إلى الهوس. وفي نوفمبر الماضي؛ قطعت القوات الحكومية آخر خط إمدادٍ للتنظيم إلى الرمادي، فطوَّقتها وجعلت من شبه المستحيل على المسيطرين عليها تلقِّي تعزيزاتٍ من خارجها. واتفق 5 سكان في الداخل و3 خرجوا في الآونة الأخيرة على أن «الظروف تدهورت بشدَّة منذ اجتاح داعش المدينة» في وقتٍ سابقٍ من العام الجاري. وروى أبو أحمد أن «مقاتلي التنظيم يزدادون عدوانية وارتياباً ويمنعوننا من مغادرة منازلنا، وكلُّ من يخرج بالمخالفة للأوامر يلقون القبض عليه ويحقِّقون معه»، مؤكِّداً «نشعر أننا نعيش داخل نعشٍ مغلق». وسيكون استرداد الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار في وادي الفرات الخصب والقريبة بالسيَّارة من غرب بغداد، انتصاراً كبيراً لحكومة بغداد وحلفائها في التحالف الدولي ضد الإرهاب. وذكر الشيخ خطاب الأمير، الذي لا يزال على اتصالٍ بأفرادٍ من عشيرته داخل المدينة، أن المتشددين يُقيِّدون الحركة هناك. ونقل عن مصادره أن «المسلحين قسَّموها إلى مجموعة من القطاعات الأصغر، ولا يسمحون بمرور المدنيين من منطقة إلى أخرى، لأنهم يشتبهون في أن يكون أي شخص في الوقت الحالي مُرشِداً لقوات الأمن»، رابطاً بين تعاون مزيد من الناس مع قوات الأمن وتزايد قسوة المعاملة من جانب المتشددين. ويروي سكان أن عناصر «داعش» زادوا من دورياتهم على دراجات نارية للقبض على من يستخدمون هواتف محمولة، كما وضعوا المباني العالية الخالية تحت المراقبة. واعتبر أبو أحمد، الذي تحدَّث من على سطح منزله ليستقبل إشارة الهاتف المحمول الضعيفة، واضعاً على رأسه صندوقاً من الورق المقوى حتى لا ترصده الدوريات، أن «المتشددين يخنقوننا أكثر وأكثر ويعاملوننا كالسجناء». وتابع منهِياً المكالمة قبل إكمال جملته «يجب أن أذهب الآن، أسمع الدراجات النارية، يمكن أن يقطعوا رأسي إذا» وكانت إمدادات الغذاء تدخل الرمادي من الغرب، لكن سكانها يعيشون حالياً على حصصٍ ضئيلةٍ من الخضراوات والطحين بعد فرض القوات الحكومية حصاراً. وأوضح ساكنٌ يُدعى عمر أن أسرته تأكل الخبز القديم مع البندورة الفاسدة، مضيفاً بسخرية «أشعر أنني سأضطر إلى قتل الهرَّة التي نربيها منذ سنوات إذا لم يتبق شيء لنأكله». وإزاء نقص غاز الطهي والكيروسين؛ اضطر السكان إلى إحراق قطع من الخشب لاستخدامها كوقود. وأفاد بعضهم ببدء المتشددين في تخزين فروع الأشجار وجذوعها في الأفنية، فيما تنقطع الكهرباء لساعات طويلة نتيجة عدم توفير وقود مولِّدات الكهرباء في الأحياء المختلفة. ورأت أم محمد، وهي معلِّمة فيزياء فرَّت من المدينة الأحد الماضي مع والدتها المسنَّة وتقيم حالياً في مأوى مؤقت، أن «الوجه القبيح لداعش ظهر أخيراً، فهم يعاملون النساء كالحيوانات»، مضيفةً «لقد وُلِدتُ من جديد وأشعر أنني كنت أمَة». ومنذ أشهر؛ تعهد رئيس الوزراء، حيدر العبادي، باستعادة المدينة. لكن الهجوم المضاد تأجَّل إلى أن أعادت القوات الحكومية تنظيم صفوفها. وأدى السبب ذاته إلى تأجيل حملاتٍ للقوات في أماكن أخرى شمال البلاد. وقدَّر مسؤولون محليون وشيوخ عشائر عدد الأُسر التي لا تزال محتجزةً في الرمادي بـ 1200 أو 1700 أسرة. وتمكَّن أحمد العسافي من الهرب في منتصف نوفمبر الفائت، بعدما دفع ألف دولار أمريكي لسائق سيارة أجرة، ساعده في مغادرة المدينة من خلال اتصالاتٍ مع المتشددين. ولاحظ العسافي أن «الدواعش يفقدون رباطة جأشهم على ما يبدو بينما تطبِق القوات النظامية عليهم». وبيَّن أنهم «يستخدمون في معظم الأحيان الدراجات النارية في تحركاتهم لتجنب الضربات الجوية، كما أنهم نشروا مهاجمين انتحاريين في أجزاء مختلفة.. ويبدو عليهم التوتر الشديد». وتحرِز القوات النظامية تقدُّماً صوب مشارف المدينة، وتنفي وجود أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء في داخلها. وأفاد المتحدث باسم قوات مكافحة الإرهاب المنتشرة عند الجزء الغربي من الرمادي، صباح النعماني، بأن الحكومة «لا تترك أي مخرج للإرهابيين، فقوَّاتُنا تزيد من تضييق الخناق عليهم». واعتبر أن كل الأسر المتبقية في الداخل هي أسر الإرهابيين ومن يؤيدونهم. ومع توقِهم إلى الخلاص من سيطرة المتشددين؛ يتخوف كثيرٌ من السكان من اتهامهم بتأييد المتشددين إذا نجحت الحملة العسكرية للقوات الحكومية. وعلَّق عمر، وهو أب لطفلتين، قائلاً «أتمنى التخلص من كابوس داعش قريباً، لكن ما قد يحدث فيما بعد يمكن أن يكون أسوأ»، مبدياً قناعته بـ «أننا سنكون كبش الفداء».