جاءت رواية «بائعة الحمام» للكاتب سعود الهديرس، في موضوعها غير بعيدة عن اهتمامات الكاتب في علم النفس والسلوك الإنساني. وتناقش الرواية الزواج العرفي، من ناحية تأثيره على المجتمع، وعلى الأطفال الذين يأتون للحياة عن طريق هذا الزواج؛ مصيرهم، وعذابهم، وعدم تقبل المجتمع لهم، وإحساسهم الدائم بالضياع. تدور أحداث الرواية، التي صدرت عن دار وجوه للنشر والتوزيع، حول قصة الفتاة «هدى» التي تنجب لأم وأب ارتبطا بعقد زواج عرفي، بعد مضي أشهر من الزواج يترك الأب البيت ويغادر من غير رجعة، فتولد «هدى» لتعاني من يتمين؛ يتم الأب الغائب، ويتم المجتمع الذي ينظر لها دوما بريبة وجفاء. وعندما تموت الأم تبدأ «هدى» رحلة البحث عن والدها من أجل انتزاع اعترافه بوجودها أولا، ومن أجل الوصول إلى إجابات على العديد من الأسئلة التي تدور في ذهنها. وعبر رحلة وجودية من ضياع إلى آخر في ركام المدن المتشعبة أحياؤها، تعثر «هدى» على دفتر لمذكرات والدها يكشف لها جزءا من الأسباب التي دفعته إلى الرحيل. وكما تبحث «هدى» عن والدها، يبحث هو عنها أيضا بعد أن عرف بوجودها، لكنه لا يهتدي إليها، وإنما يهتدي إلى روايتها «بائعة الحمام» التي سجلت فيها جزءا من معاناتها. اللقاء بين «هدى» ووالدها يتم في النهاية، ولكن ليس لقاء حقيقيا أو شخصيا، إنما لقاء عبر الورق؛ مذكراته وروايتها؛ لأن بداية العلاقة التي أثمرت وجود «هدى» كانت على ورق غير معترف به. انطوت الرواية على العديد من تقنيات السرد، من مثل الاسترجاعات والاستباقات الزمنية، والتذكر والأحلام والمذكرات الشخصية، وسكبت جميعها في قالب متعدد المستويات؛ الكاتب الذي يكتب الرواية، والراوي المطلع على الأحداث، والبطلة الراوية التي تكتب رواية داخل الرواية، وزمن التلقي الموازي لزمن الكتابة، فحين يبدأ «سليمان» فعل القراءة، في أول صفحة من الرواية، تبدأ «هدى» أيضا فعل الكتابة، وهذا الشكل الدائري للرواية جاء تعبيرا عن مضمونها؛ حيث الشخصيات الفاقدة لاستقرارها النفسي والعاطفي.