تحتاج الخلايا للبروتين لإتمام جميع العمليات التي تقوم بها في جسم الإنسان، ولا تتوقف حاجتها له، ومن ثم لا تنقطع الحاجة لتصنيعه في الجسم بشكل مستمر، ويصنع البروتين بواسطة الحمض النووي الريبي DNA، فعندما تحتاج الخلية إلى البروتين، ترسل رسالة إلى الحمض عبر هرمونات الجسم، وتبدأ بروتينات الحمض الأنزيمات في العمل، تأهباً لتلقي التعليمات الضرورية لتصنيع البروتين المطلوب. ويوجد داخل جسم الإنسان ملايين البروتينات، لكل منها وظيفة محددة بدقة، وشكل محدد للغاية، فهرمون الأنسولين مثلاً بروتين، وأنزيمات الهضم بروتينات، والأجسام الدفاعية بروتينات، والكولاجين بروتين، كما تقوم بوظائف الخلية بروتينات غاية في التخصصية. وتوجد جميع الطلبات التي يحتاج إليها الكائن الحي من البروتين في نواة الخلية داخل شريط ال DNA بنظام تشفير مخصص. ويتكون الحمض النووي من سلسلة مزدوجة من القواعد، وتعمل الروابط بينها مثل شفرة برمجية أكثر تعقيدا من أي برامج صنعها الإنسان، وأهم وظيفة تقوم بها هذه البرامج تصنيع البروتينات ونقل الصفات الوراثية، إضافة إلى وظائف أخرى محددة، وتم إزاحة الستار عن بعضها ولا يزال البعض الآخر يغلفه الغموض. والبروتينات مثل جنود مسخرة لخدمة خلايا الجسم، وتلعب دوراً أساسياً في جميع التفاعلات الحيوية في أجسامنا. وتشبه الخلية الحية مجموعة من المصانع وورش العمل التي تصنع كل ما يحتاج إليه الكائن الحي لضمان استمرار الوظائف الحيوية في الجسم، ما يضمن للإنسان البقاء، ومن بين العمليات التي تقوم بها الخلية تصنيع البروتين. وقد نجح فريق من العلماء الألمان في تصوير عمل مصانع البروتين في الخلية، وذلك للمرة الأولى، وهذه المصانع التي يسميها العلماء ب الريبسومات، تتعهد بتصنيع جميع البروتينات. وتلتصق الريبسومات بالأحماض الأمينية، مثل التصاق حبات عقد اللؤلؤ، وينفرج هذا الخيط الذي تلتصق به، أثناء النمو إلى هيكل ثلاثي الأبعاد وهو البروتين، الذي تحدد الوظيفة المكلف بها شكله. ويدخل في تكوين الريبسومات أكثر من 50 نوعاً من البروتين، إضافة إلى جزيئات أخرى، ويصغر حجم الريبسوم عن حجم أصغر الفيروسات. ومؤخراً اكتشف الباحثون في معهد Salk للدراسات البيولوجية في لاجولا بولاية كاليفورنيا الأمريكية، مركبا جينيا جديدا أسموه ORF0، ينتشر في الحمض النووي الريبي DNA للإنسان، والقرود، وأغلب الثدييات الأولية، وتوضح الصورة التي رسمها الباحثون موقع الجين الجديد في كروموسومات الإنسان والقرود، حيث قالوا إنه موجود في أقسام متنقلة من الشفرة الجينية في الجينوم وتعرف بالجينات القافزة، هذا المركب الجيني المكتشف ORF0، قد ينتج مئات بل آلاف من بروتينات كانت مجهولة من قبل، وقال العلماء إن وفرة الجين ORF0 في الجينوم البشري يفترض أنه لعب، ولا يزال يلعب دوراً مهماً في التنوع التطوري والمرونة لآلية عمله التي تنتج بروتينات جديدة، واكتشاف مصانع البروتين المتحركة يمكن أيضاً أن تسلط الضوء على أصل الطفرات الوراثية المسؤولة عن الإصابة بأمراض خطيرة مثل السرطان، والاضطرابات العقلية، وغيرهما من الأمراض القاتلة. ويبين الكشف الجديد أن الجينات القافزة مصدر ثابت وأكثر أهمية، مما كان يعتقد، للتنوع في جينوم الإنسان والقردة، على جميع المستويات والأنواع، حتى على مستوى الخلايا المختلفة داخل جسم واحد، بحسب روستي جيج، مؤلف الدراسة وأستاذ في مختبر Salk للجينات. وفي ظل وجود متتاليات الجينوم البشري، بات واضحاً أن الجينات القافزة، وهي عناصر الجينات المتحركة التي اكتشفتها باربارا مكلينتوك في أوائل الخمسينات في نبات الذرة، وكانت أيضاً موجودة في حالة نشطة للغاية أثناء عملية تطور الإنسان، وما يقرب من نصف الجينوم البشري نتج عن متواليات الشفرة الجينية التي انتقلت، أو أدرجت نسخاً إضافية منها عبر الجينوم. وسلطت دراسة أخرى أجراها مؤخراً جيج ورفاقه في جامعة ستانفورد، الضوء على الأهمية الكبرى للجينات القافزة، واستعان البحث بتقنيات الخلايا الجذعية التي طورها جيج في مختبره بهدف الكشف عن الطريقة التي تسهم بها الاختلافات في الاستفادة من المعلومات التي يحملها الجين في تحديد هيكل وجه الإنسان والقردة، كما افترضت نتائج الدراسة أن الجينات القافزة لعبت دوراً مهماً في الانقسام التطوري بين البشر والقردة والحيوانات الثديية الأخرى. دراسة أحدث وفي الدراسة الأحدث التي أماطت اللثام عن جينORF0، ركز جيج وزملاؤه على نوع من الجينات القافزة تعرف باسم عناصر LINE-1 التي تشكل ما يقرب من 17 في المئة من الجينوم البشري، والمحتوية على جميع الآليات الوراثية اللازمة لتحريك نفسها وأنواع أخرى من الجينات القافزة، من دون مساعدة، إلى أماكن أخرى في الجينوم. واعتقد العلماء فيما سبق أن عناصر LINE-1 تحتوي فقط على متتاليين مشفرين مصاغين في رموز شفرية لإنتاج البروتينات، وهي المنتج الأساسي والأهم للجينات التي تلعب أدواراً غاية في الأهمية في خلايانا وأعضاء أجسامنا، وتعرف هذه المتواليات بأنها هياكل مفتوحة القراءة (ORF)، كما تعرف المتواليات السابق اكتشافها والمعروفة باسم ORF1 وORF2، ويعتقد أنها معنية بإنتاج البروتينات اللازمة للسماح لعناصر LINE-1 بالحركة والتنقل عبر الجينوم. وفي دراستهم الحديثة، اكتشف جيج وزملاؤه هيكلاً ثالثاً مفتوح القراءة أسموه ORF0، وقالوا إنه موجود في عنصر LINE-1 بجوار الهيكل ORF1، وقد وجد العلماء الهيكل الجديد ORF0 فيما يقرب من 3500 موقع في الحمض النووي DNA للإنسان، وفي ما يقرب من 3000 موقع، في جينوم القردة، وأغلب الثدييات الراقية الأخرى. وتسمح تركيبة عناصرLINE-1 بأنه عند انتقال عنصر إلى موقع آخر، فإنه من الممكن أن يختلط المتواليORF0، بمتواليات جينية أخرى في مواقع أخرى من الحمض النووي الريبي DNA، وينتج عن المتواليات الجينية الجديدة بروتين جديد، وفي آخر الأمر، سوف تكون هناك وسيلة جديدة لإنتاج جزيئات جديدة تماماً يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة، وعلى الجانب الآخر، فإن إعادة هيكلة جين ORF0 أثناء قفزه يؤدي إلى إحداث طفرة جينية تؤدي إلى الإصابة بمرض ما. ويعيد هذا الكشف رسم مخطط لأهمية آلية جينية في الحيوانات الثديية، بحسب العالم أحمد دنلي، الأستاذ في مختبر جيج الذي يقول: الجينات القافزة التي بها ORF0، هي أساس مصانع إنتاج البروتين، ولعبت دور القائد خلال عصور التطور، والآن وبعد أن نجح العلماء في الكشف عن ORF0 في جينوم الثدييات الراقية، يقول دنلي إنهم يخططون للكشف عن عدد مرات تشفير الجين ORF0، لإنتاج البروتين، ولدراسة وظيفة هذه البروتينات، كما يخطط الباحثون أيضاً للكشف عن سلوك هذا الجين في أنواع الخلايا المختلفة، ويبدي العلماء اهتماماً خاصاً في استكشاف دوره في الإصابة بالسرطان والاضطرابات العصبية مثل الشيزوفرونيا، حيث افترضت دراسات سابقة بدورها في الإصابة بهذه الأمراض.