استمع عبداللطيف الزبيدي ما أسهل أن تقول: الإنسان ابن بيئته، ولكن هذه الجملة لا حدود لاستعمالاتها. عند محاولة الاستقصاء تدرك أنها تنطبق على جميع موجودات الكون. سنتناولها من زوايا متنوّعة، لنرى الفارق بين النظر الثاقب والنظر المثقوب، في الحياة السياسيّة تخصيصاً. يقول عالم فيزيائيّ: لو كان للأسماك فكر فلسفيّ لتساءلت: لماذا كل هذا الكون ماء؟. هي بنت بيئتها. الإنسان يدرك واحداً إلى جانبه كم من الأصفار فوق ما في برمجة المخلوقات البحرية، ولكن علمه يظل ضئيلاً، فهو يسأل مثل السمكة: إذا كنت زعيم المخلوقات، فكيف أستطيع استيعاب مسافات يحتاج قطعها إلى مليارات السنين، هذا إذا طرت بسرعة الضوء؟ لهذا كان فيلم ما بين النجوم، الذي يعبر فيه البطل ثقباً أسود ليمرّ إلى كوكب في مجرة أخرى، قرصاً مسكّناً لآلام الحيرة الوجوديّة. لقد بذل المخرج جهداً كبيراً في الخيال العلميّ، ولكنه، لعلّة ما، صوّر لنا أن الآدميين حتى عندما يغادرون الأرض عبر ثقب أسود، يحافظون على حيوانيتهم، فيتلاكمون ويتباطحون ويتناطحون. هم أبناء بيئتهم ولا فخر. الآن، إلى الوجه السياسي لأبناء بيئتنا العربية. في الانتخابات التي تحاول الأنظمة تسخين طبول حملاتها، من دون كبير جدوى، لا تصدّق الشعوب أي احتمال للتغيير. هم أبناء بيئتهم، وشعارهم في ذلك العبارة المعبّرة: شمس بلادي وأعرفها. لإدراكهم أنه بمجرّد إعادة انتخاب الشخص للمرة التي يملّ فيها الناس ويعطونه تأبيدة في الكرسيّ، لن يتغيّر شيء. لكن الصورة مختلفة عندما يحمى وطيس الجولات الانتخابية في الولايات المتحدة، في أوروبا وحتى في الأرض المحتلة، لتهاون الأنظمة المعتلّة. وهنا الانطباق الخارق لعبارة الإنسان ابن بيئته. العقلية العربيّة تظن أن تغيّر الرؤوس هناك وهنالك، سيغيّر السياسات، هي تقيس على أنظمة طبائع الاستبداد، التي يستطيع المستبدّ فيها أن يفعل ما يريد بالشعب والبلد. في بلدان برّه توضع استراتيجيات بعيدة المدى، وكل رئيس يأتي يُكمل المشوار إلى حين ويسلّم المشعل إلى من يغنّي: شعللها شعللها. بلغت الأرواح الحلوق مع بوش الابن، فجاء أوباما وطلّع الروح. لقد أرتنا الديمقراطية العين الحمراء. والآن يتهددون العالم (العربيّ أوّلاً) بالفتوّات الجدد: ترامب في واشنطن، واليمين المتطرف في باريس. وهذا مسك الختام، العربيّ ابن بيئته، عرف جميع منوّعات القمع، فالآتي غير جديد تحت الشمس. لزوم ما يلزم: النتيجة الإعلامية: متى يتغيّر العالم العربيّ، لكي يغدو هذا النوع من الكتابة غير صالح للعالم العربيّ؟ abuzzabaed@gmail.com