الرياض: «الشرق الأوسط» توقع تقرير اقتصادي صدر في السعودية عن تأثير منتظر للغاز الصخري المتزايد حاليا على صناعة البتروكيماويات على المستوى العالمي، فيما شكك في تأثير النفط الصخري على صناعة النفط عالميا أو انعكاسه سلبيا على وضع السعودية كلاعب رئيس في سوق البترول العالمية. ولمح التقرير إلى صعوبة زيادة إنتاج النفط الحجري والغاز الصخري، حتى في الولايات المتحدة، بالوتيرة التي يتوقعها الكثير من المراقبين على المديين المتوسط والطويل، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن إنتاج هاذين الطاقتين سيزيد ولكن بمستوى دون التوقعات المتواترة بدوافع أسباب تقنية واقتصادية. وبحسب التقرير ينتج النفط والغاز من خزانات تحت سطح الأرض بمعدلات تعتمد بدرجة كبيرة على درجة مسامية ونفاذية الصخور الحاوية لتلك الخزانات، حيث بمرور الزمن، أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة «احتياطيات» النفط والغاز، بعد أن أصبحت تلك الأسعار المرتفعة تبرر تطوير واستخدام تقنيات أكثر تطورا لاستخراج جزيئات النفط والغاز التي يعتبر استخلاصها أكثر صعوبة. ولفت التقرير إلى أنه عند مناقشة احتياطيات النفط والغاز، يتوجب التمييز بين الوجود الطبيعي لجزيئات النفط والغاز في التكوين الصخري المعين والنسبة من الجزيئات التي يمكن استخلاصها من ذلك التكوين الصخري بطريقة اقتصادية. وقالت تستخدم صناعة النفط مصطلحات تتضمن وجود الاحتياطيات، منها احتياطيات مؤكدة، وهي الكميات المكتشفة التي تصل إمكانية استخراج النفط أو الغاز منها بطريقة مربحة إلى 90 في المائة، والموارد المتبقية القابلة للاستخلاص: تعني الاحتياطيات المؤكدة، ونمو الاحتياطيات (الزيادة المتوقعة في الاحتياطيات في حقول معروفة)، وكذلك الموارد التي لم تكتشف بعد والتي يمكن في النهاية استغلالها باستخدام التقنية الحالية. قال التقرير: «هناك أربعة عوامل رئيسة تؤثر في فهمنا وثقتنا في حجم النفط والغاز اللذين نستطيع استخراجهما لضمان نمو اقتصاداتنا في المستقبل، وهي الجيولوجيا المتمثلة في الوجود الطبيعي الفعلي لجزيئات النفط والغاز في التكوينات الصخرية، والتقنية المتضمنة المعدات والمواد والأنظمة والإجراءات التي تتيح لنا اكتشاف واستخراج النفط والغاز من تلك التكوينات الصخرية وحجمهما». إضافة إلى السعر، وهو السعر القياسي الذي يبرر تكاليف تطوير الحقل وإنتاج النفط والغاز، والقيود فوق سطح الأرض المتمثلة في التراخيص والقوانين البيئية وتوفر المياه والبنية التحتية التي تتيح تطوير الحقل وبيع إنتاجه بطريقة مربحة. ومع مرور الزمن وارتفاع أسعار الطاقة، زادت كذلك «الاحتياطيات» لأن ارتفاع الأسعار برر تطوير واستخدام تقنيات جديدة أعلى تكلفة لاستخلاص الجزيئات الصعبة، سواء كان من الخزانات القائمة أصلا أو من التكوينات الصخرية التي لم يتم الوصول إليها أو استغلالها بعد. ولفت تقرير أعده شركة «جدوى للاستثمار» – شركة مالية سعودية مرخصة - إلى أن التطورات التقنية الحديثة شجعت خاصة تقنيات المسح الاهتزازي الاستكشافي والحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي (تكسير الصخور باندفاع الماء)، على استغلال تكوينات النفط الحجري والغاز الصخري الكبيرة في الولايات المتحدة. وقال: «أتاحت التطورات التقنية، التي تواصلت منذ بداية استخراج النفط في نهاية القرن الـ19، استخلاص كميات من النفط والغاز أكبر من نسبة الـ10 إلى 15 في المائة التي يتيحها الضغط الطبيعي». وأضاف «بمرور الزمن وبفضل التطورات التقنية، استطاعت صناعة النفط والغاز استغلال موارد نفطية لم يكن بالإمكان الوصول إليها سابقا واستخراجها بطريقة مربحة»، مشيرا إلى أنه مع نمو الطلب على الطاقة وارتفاع أسعار النفط والغاز، فقد تم تطوير تقنيات لاستخراج المزيد من النفط والغاز من مصادر لم يكن من الممكن الوصول إليها سابقا وتم استخلاصهما بطريقة مربحة. وزاد: «التوقعات بشأن تطور إنتاج النفط الحجري والغاز الصخري لا تعتمد فقط على الوجود المادي لجزيئات النفط والغاز في التكوينات الجيولوجية المعينة، بل تعتمد بدرجة كبيرة على الاقتصادات النسبية لاستخلاص تلك الجزيئات - بافتراض التطورات التقنية المحتملة - مقابل اقتصادات إنتاج النفط والغاز من مصادر أخري، تقليدية أو غير تقليدية». وأضاف التقرير الذي قام بمراجعة شاملة لبيانات صادرة عن جهات رسمية مختصة في صناعة النفط، أن «توقعات نمو الطلب العالمي على الطاقة، مقرونة مع تراجع الإنتاج من حقول النفط التقليدية، قادت المراقبين إلى التنبؤ بأن يتعاظم دور النفط الحجري والغاز الصخري في أسواق الطاقة العالمية وأن يؤثر على كبار اللاعبين مثل المملكة العربية السعودية». وأوضحت أن الافتراضين الرئيسين اللذين قامت عليهما التوقعات المتفق عليها بشأن حجم الطلب على الطاقة في المدى البعيد، الأول استمرار المعدل المرتفع لنمو الناتج الإجمالي المحلي في آسيا خاصة في الصين والهند، والثاني يتمثل في خفض كثافة استخدام الطاقة في الاقتصاد العالمي بنسبة 35 في المائة. وأوضحت «جدوى» أنها ليست متأكدة من إذا كانت آسيا ستواصل وبلا انقطاع خلال الـ25 سنة المقبلة لتحقيق تلك المعدلات المرتفعة من النمو التي شهدتها في العقد الماضي، كما أنها غير متأكدة عما إذا كانت التطورات التقنية المرتقبة ستقود إلى تحقيق المكاسب الكبيرة في كفاءة استخدام الطاقة المفترضة حاليا. وحيث إن هذين العاملين متوازنان بصورة عامة، أشارت إلى أن التوقعات المجمع عليها التي ترى أن الطلب العالمي على الطاقة سينمو بنسبة 35 في المائة بين عامي 2010 و2040 توفر قاعدة جيدة لتقدير حجم إمدادات الطاقة العالمية التي يجب توفرها لتلبية ذلك الطلب. وقال التقرير: «أثبت التاريخ وجود علاقة قوية بين النمو الاقتصادي واستهلاك الطاقة. لذا فإن الافتراضين الرئيسين في التنبؤ بالطلب العالمي على الطاقة هما: معدل النمو في مختلف مناطق العالم والمستويات والتغيرات في كثافة الطاقة في اقتصادات تلك المناطق». وبناء على معدل نمو للناتج المحلي العالمي والذي يبلغ متوسطه 2.8 في المائة في العام للفترة بين عامي 2010 و2040، وبافتراض حدوث تحسن في توفير الطاقة بنسبة 35 في المائة من خلال رفع كفاءة استخدام الطاقة، يتوقع أن يزداد الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 35 في المائة من 13.2 مليار طن مكافئ نفطي في عام 2010 إلى 17.8 مليار طن مكافئ نفطي عام 2040، أي بمتوسط زيادة واحد في المائة للعام، وسيأتي معظم نمو الطلب على الطاقة من آسيا، حيث تستخدم دول تلك القارة نحو 45 في المائة من الطاقة عام 2040. وسيكون أعلى معدل نمو في استخدامات الطاقة من نصيب الكهرباء، حيث يتوقع أن ينمو طلب هذا القطاع بنسبة 54 في المائة وسيشكل 41 في المائة من استخدام الطاقة العالمية في عام 2040 - مرتفعا من 36 في المائة عام 2010 - أما طلب قطاع النقل وهو قطاع رئيس آخر مستهلك للطاقة، فسينمو بنسبة 37 في المائة، متسقا مع الطلب العالمي على الطاقة، وسيبقى يشكل 18 في المائة من استخدام الطاقة العالمية. وسيظل النفط والغاز حسب التقرير يشكلان المصدرين الرئيسين للطاقة في العالم، حيث يتوقع أن يشكلا 59 في المائة من إجمالي الطاقة المستخدمة عام 2040 بدلا من 56 في المائة عام 2010، حيث سيكون النمو الأكبر من نصيب الغاز، والذي ينتظر أن ينمو الطلب عليه بنسبة 65 في المائة، بينما سينمو الطلب على النفط بمعدل بطئ نسبيا عند 25 في المائة، وسيتراجع الطلب على الفحم بنسبة اثنين في المائة. وأشار التقرير الذي حمل عنوان: «مستقبل إنتاج النفط والغاز من المصادر غير التقليدية» ويبحث وتأثيره على السعودية، إلى أن إنتاج النفط الحجري والغاز الصخري سيزيد بمستوى يقل كثيرا عما يتوقعه معظم المراقبين، وذلك لأسباب تقنية وأخرى اقتصادية، متوقعا أن نمو إنتاج النفط الحجري والغاز الصخري خاصة في الولايات المتحدة لا يعود فقط إلى أسباب تقنية (التكوينات الجيولوجية، المحكمة - غير المنفذة للسوائل، جاذبة ومفهومة بدرجة كبيرة)، بل أيضا نتيجة لما يعرف بالعوامل «فوق سطح الأرض» المواتية بطريقة استثنائية مثل الخدمات الصناعية والبنيات التحتية والأنظمة التشريعية والمالية الفعالة منخفضة التكلفة فضلا عن قبول المجتمع للتقنيات المستخدمة. ووفقا لما توصلت إليه «جدوى للاستثمار»، أبدت شكوكها في زيادة إنتاج النفط الحجري والغاز الصخري، حتى في الولايات المتحدة، بالوتيرة التي يتوقعها الكثير من المراقبين في المديين المتوسط والطويل، موضحة حيال النفط الحجري، بأن لكل بئر مستوى إنتاج أقصى مقيد كما أن إنتاجها محدود ويتناقص بسرعة نتيجة لضعف نفاذية التكوينات الصخرية المحكمة بطبيعة الحال. وأضافت أن الحاجة إلى حفر عدد كبير من الآبار للمحافظة على الإنتاج، ناهيك بزيادته، الأمر الذي تعتقد معه الدراسة أن واحدا فقط من حقلي النفط الحجري الرئيسين، اللذين يشكل إنتاجهما 85 في المائة من إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من النفط الحجري، يعتبر مبشرا من حيث نمو الإنتاج على المدى الطويل. وتوقعت «جدوى للاستثمار» أن إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري سيتراجع بعد عام 2018، فيما تعود الشكوك حول الغاز الصخري، وتعود إلى التراجع السريع في الإنتاج من كل بئر والحاجة المستمرة لحفر المزيد من الآبار، كما أن أسعار الغاز وصلت في الوقت الحالي إلى مستوى يجعل إنتاج الغاز الصخري استثمارا غير مربح، ما لم يكن مصحوبا بإنتاج كبير من سوائل الغاز الطبيعي وتتوفر للحقول بنية تحتية قوية من خطوط الأنابيب. وترى «جدوى للاستثمار» أن هناك حوضين رئيسين للغاز الصخري كبيرين وجاذبين وسيسهمان في زيادة إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة، مبدية شكوكها في أن يرتفع إنتاج الحقول الأخرى بدرجة كبيرة، وذلك لأن أسعار الغاز يتوقع أن تظل دون مستوياتها الحالية، فيما أن إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة سيستقر ولن يرتفع بعد عام 2020. ويخلص التقرير بناء على جميع تلك الظروف، إلى الشك في أن يؤثر إنتاج النفط الحجري بدرجة كبيرة على صناعة النفط العالمية في المدى البعيد، وبصفة خاصة لا تعتقد أنه سيؤثر على وضع السعودية كلاعب رئيس في سوق النفط، في الوقت الذي يتوقع أن يؤثر إنتاج الغاز الصخري الأميركي، المصحوب بكميات كبيرة من سوائل الغاز الطبيعي الرخيصة، بصورة أساسية على صناعة البتروكيماويات في العالم وقد يؤدي إلى تحفيز المنتجين السعوديين لتوسيع إنتاجهم هناك. وقالت «هناك شكوك في أن ينمو إنتاج النفط الحجري بالوتيرة التي يظنها معظم المراقبين، وبناء على قناعتنا بأن إنتاج النفط الحجري سيبقى يشكل فقط ثلاثة في المائة من إجمالي إمدادات السوائل، ولا نعتقد أن النمو في إنتاج النفط من التكوينات الصخرية المحكمة في الولايات المتحدة أو من التكوينات الصخرية في المناطق الأخرى من العالم، سيؤثر بشكل كبير على الموقع الراسخ للمملكة العربية السعودية في صناعة النفط». وأضاف التقرير «لكننا ننظر إلى إنتاج النفط الحجري في الولايات المتحدة من حيث تأثيره بصورة أساسية على السعودية من خلال تقليص فرق السعر بين الخامات الثقيلة والخفيفة. هذا التقلص قد يؤدي إلى فرض إعادة هيكلة في أنشطة التكرير العالمية، وخصوصا في أوروبا، لكنه لن يؤثر على معامل التكرير في المملكة». وزاد التقرير «عليه فإننا باقون عند رأينا بأن العامل الرئيس الذي سيؤثر على الوضع الراسخ بالسعودية في صناعة الطاقة العالمية هو ارتفاع الطلب المحلي، وكما ذكرنا في تقرير سابق، فإننا نعتقد أن الطلب المحلي المرتفع، الذي يتواصل ارتفاعه نتيجة الانخفاض الكبير في أسعار الطاقة المحلية، لن يشوه فقط القرارات الاقتصادية الداخلية، بل سيؤدي كذلك إلى تراجع الدخل من صادرات المملكة النفطية». وحول تأثير إنتاج الغاز قالت «جدوى» في التقرير «كما هو الحال بالنسبة للنفط الحجري، فإننا كذلك نشك في أن ينمو إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة وغيرها بالوتيرة التي يظنها معظم المراقبين، ومع ذلك، نعتقد أن الإنتاج الكبير من سوائل الغار الطبيعي (كمنتج ثانوي) الرخيصة المستخلصة من تكوينات النفط الحجري والغاز الصخري سيكون له تأثير كبير على صناعة البتروكيماويات في العالم». وأكدت أن السعودية في الواقع ليست من كبار منتجي الغاز الطبيعي (الميثان)، كما أن إنتاجها من سوائل الغاز الطبيعي (كمنتج ثانوي) الرخيصة، بما في ذلك الإيثان، المستخدم في صناعة البتروكيماويات سيظل محدودا بعض الشيء. وزادت «إننا نرى أن التأثير الرئيس لإنتاج الغاز الصخري وسوائل الغاز الطبيعي الرخيصة في الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية سيكون من ناحيتين، الأولى، تقليل الربحية العالية نسبيا لمصانع البتروكيماويات القائمة حاليا في المملكة، والثانية، حث شركات البتروكيماويات السعودية للنظر في زيادة طاقاتها الإنتاجية في الولايات المتحدة لتستفيد من المواد الأولية المتوفرة والرخيصة ذات القيمة المرتفعة».