لا تكتمل زيارة لندن إلا من خلال زيارة إحدى أسواقها المفتوحة وقد تكون أسواق شارع بورتوبيللو القابع في منطقة نوتنيغ هيل من أشهرها وأجملها، ولكن زيارة واحدة إلى هذا الشارع أو هذه المنطقة بالأحرى لا تكفي. ونقول منطقة لأن هذا الشارع كان منذ نحو ثلاثمائة سنة أشبه بقرية صغيرة وهذا ما كان يطلق عليه في الماضي عندما كان عبارة عن طريق للمزارعين يسمى بـ«غرين لاين»، ليصبح اليوم من أجمل شوارع المدينة التي تضم أفضل المقاهي والبوتيكات والمطاعم. جاءت تسمية الشارع من مزرعة «بورتو بيللو» Porto Bello التي كانت توجد عندما يعرف اليوم بشارع «غولبورن رود» أما تسمية المزرعة فجاءت من مدينة بورتو بيللو في باناما. أوى الشارع الكثير من المهاجرين الآتين إلى لندن بغية تحسين حياتهم ليتحول بعدها إلى مقصد الأغنياء وأثرياء المدينة الذين جعلوا منه مسكنا لهم. بقي الشارع لغاية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مجرد شارع ريفي يربط ما بين نوتينغ هيل وكينسال غرين إلى الشمال من المنطقة، ولم يطرأ أي تغيير عليه على عكس منطقة بادينغتون القريبة التي شهدت نقلة نوعية من حيث العمران وعدد السكان، إلا أن بورتو بيللو استفاد في حقبة ازدهار بادينغتون من زيارة أثرياء تلك المنطقة الذين كانوا يقصدون البسطات والمحلات الصغيرة التي بدأت تظهر في الشارع الذي أصبح عنوان التسوق لسكان المناطق المجاورة المقتدرين ماديا. وفي عام 1906 بدأ شارع بورتو بيللو يأخذ شكلا جديدا مع بناء المنازل السكنية التي كانت مخصصة للأثرياء ولا تزال الشرفات الأنيقة التابعة لتلك المنازل شاهدة على التحول الذي شهده الشارع منذ تلك الفترة وتتميز الأبنية بألوانها الزاهية، التي تذكرك ببيوت بعض أحياء المهاجرين في سان فرانسيسكو، وكان يتم تأجير قبو المنازل الفخمة للطبقة الفقيرة التي كانت تعمل في السوق. افتتاح محطة قطارات «نوتينغ هيل» التي تعرف اليوم باسم «لادبروك غروف» كانت أهم ما شهدته المنطقة من ازدهار عام 1864. كانت البسطات في سوق شارع بورتو بيللو لغاية عام 1940 تبيع الخضراوات والمأكولات مثلها مثل أي سوق أخرى في لندن ولا تزال على هذا الحال لغاية يومنا هذا، إلا أن اختيار تجار الخردة والأدوات المستعملة وقع على هذا الشارع ليصبح بعدها من أهم عناوين بيع الأنتيكات في المدينة، ويخصص لغاية يومنا هذا يوم السبت لبيع القطع القديمة والأنتيكات بمختلف أنواعها، وعلى الرغم من تطور السوق إلا أنها لم تتخل عن أصلها ولا تزال تعرف ببسطاتها المنتشرة في الهواء الطلق والمخصصة لبيع المأكولات والخضراوات والفاكهة. منطقة بورتوبيللو مقسمة إلى عدة أجزاء وشوارع كل منها مخصص لبيع منتج معين في يوم محدد، فإذا كنت تسعى لشراء الأنتيكات فيتوجب عليه التوجه إلى القسم الجنوبي من الشارع، وسط الشارع مخصص لبيع الخضراوات والفاكهة والإكسسوارات والأدوات المنزلية وإلى الشمال من الشارع «بورتوبيللو غرين» تباع الألبسة القديمة «الفينتادج» والإكسسوارات الفريدة، أما في غولبورن رود فتجد قطع الأثاث والمأكولات والقطع الصغيرة. سوق بورتوبيللو رود تفتح من الاثنين للأربعاء من التاسعة ولغاية السادسة مساء ويوم الخميس من التاسعة ولغاية الواحدة بعد الظهر ومن الجمعة إلى الأحد من الساعة التاسعة ولغاية الساعة السابعة مساء، وتعتبر زيارة السوق الأفضل خلال فترة نهاية الأسبوع لأن الأجواء تكون أكثر حركة، ويقصد السوق في هذه الفترة السياح من جميع أقطاب العالم الذين يأتون للتبضع أو للمشي والمرور بجانب الباب الأزرق الشهير الذي يقبع وراءه المكان الذي صور فيه فيلم «نوتينغ هيل» للممثلة جوليا روبرتس والممثل البريطاني هيو غرانت وزيارة محل بيع كتب السفر الذي صورت فيه مشاهد الفيلم حيث كان يعمل هيو بائعا. زيارة شارع بورتوبيللو يومي السبت أو الأحد لا تضاهيها زيارة، فتتمتع هذه المنطقة بشيء من التفرد، فهي كوزموبوليتانية نسبة لمختلف الجنسيات التي تسكن وتعمل فيها، وللمأكولات التي تجدها في البسطات الخاصة، فتجد المأكولات الإسبانية والفرنسية واللبنانية وغيرها، هذا بالإضافة إلى المحلات والمقاهي الموجودة مثل مقهى «هامينغواي» المخصص لبيع أفضل أنواع الكابكيك ويقدم القهوة والمشروبات الساخنة مع إمكانية الجلوس داخله. سوق بورتوبيللو في نهاية الأسبوع، يكون أشبه بنهر من الناس، فيخصص جزء كبير منه للمشاة فقط، كما تتشعب منه طرقات صغيرة تأخذك إلى أماكن أخرى مثل سوق مخصصة لبيع الملبوسات المستعملة والفينتادج، وأنصحك بسلوك تلك الأزقة الصغيرة التي تجد بداخلها محلات متراصة تبيع قطع البورسلين الفريدة والأنتيكات. وتوجد أيضًا في شارع بورتوبيللو سينما «الكتريك» التي تعتبر واحدة من أقدم دور السينما في لندن وتعتمد على مقاعدها الواسعة وأرائك مخصصة لشخصين، ويتمكن الزائر من تناول الطعام خلال مشاهدة الفيلم، فهذه السينما هي أول من أطلق هذه الفكرة في لندن واليوم تجدها منتشرة في أماكن أخرى ولكن تبقى سينما الكتريك من أهم العناوين لأنها لا تزال تحافظ على ديكوراتها القديمة من دون أي تغيير أو تجديد، تجدر الإشارة إلى أنه من المهم الحجز المسبق لأن الإقبال شديد عليها ولو أنها افتتحت فرعا جديدا في منطقة شورديتش في شرق لندن. ويتبع السينما مطعم يقدم أجود أنواع البرغر والمأكولات الأميركية الأخرى، وإذا أردنا التكلم عن الأكل، فستقف عاجزا أمام الخيارات الكثيرة للأكل في الشارع وفي المنطقة بشكل عام، فبالإضافة إلى البسطات لمختلف أنواع مأكولات الشارع Street Food التي تباع بأسعار تنافسية تجد بعضا من أهم المطاعم مثل ذا ليدبيري وبيتزا إيست وميديتيرانيو المتخصص في بيع الأسماك. يقصد بورتوبيللو رواد السياح وأهل لندن، كما يقصده رؤساء الدول والمشاهير والسياسيون، فمن منا لا يذكر زيارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون عندما زار «بورتوبيللو غولد» وعبر عن سعادته بتناول المأكولات البريطانية الخفيفة فيه إلى جانب كوب من الشاي، والأهم في القصة هو أن كلينتون ترك من دون أن يدفع الفاتورة لأن التيار الكهربائي انقطع في المنطقة فجأة ولم يستطع صاحب المطعم أن يفتح الصندوق لأنه يعمل إلكترونيا، ولذا خرج الرئيس دون أن يدفع الفاتورة، وحينها اشتهر صاحب المطعم بقوله: «لا داعي للقلق لدي عنوان الرئيس في الولايات المتحدة»، بالإشارة إلى أنه سيرسل الفاتورة إليه إلى مقر الرئاسة في واشنطن. ويشتهر الشارع أيضا ببيع المعاطف الجلدية والفرو الحقيقي، ففي هذا المكان تجد أي شيء يخطر على بالك، وإذا لم تكن زيارتك بهدف التسوق، فيكفي بأن تتجول بين أرجائه وتمتع نظرك بأبنيته الجميلة والتعرف على جنسيات مختلفة والتوقف عند إحدى البسطات أو المحلات لتفحص قطعًا لم ترها من قبل. وإذا كان الطقس مناسبا، يقدم الشارع فرصة رائعة للمشي لأنه يمتد على مسافة طويلة تقطعها من شماله إلى جنوبه. * أهم ما يمكن أن تفعله في بورتوبيللو * إلى جانب المشي والتسوق والأكل يمكنك القيام بنزهة للتعرف على منطقة نوتينغ هيل بواسطة سيارة تاكسي يقودها الدليل المختص جو كونر والجولة تحمل اسم: The great Tour of Notting Hill وكونر هو سائق تاكسي محلي ينظم رحلات ويعرف الزوار على تاريخ المنطقة الغني. ومن الزيارات الجملية، زيارة متحف الماركات العالمية Museum of brands، packaging and advertising وكما يدل الاسم، تتعرف في هذا المتحف على أهم الماركات العالمية وأشهر الإعلانات وأغلفة الماركات. ولا تكتمل زيارة بورتوبيللو رود من دون إلقاء نظرة على The Blue Door المكان الحقيقي لتصوير مشاهد فيلم «نوتينغ هيل» الشهير. ولمحبي الشوكولاته، ننصحهم بزيارة «ميلت» Melt الذي تجد فيه أجود أنواع هذه الحلوى المغرية. وإذا كنت من أنصار الأماكن اللافتة من حيث الديكور وبنفس الوقت تحب الطعام الجيد، فما عليك سوى التوجه إلى Beach Blanket Babylon الذي يقدم المأكولات البريطانية العصرية، ويتمتع بديكور غريب وجميل في آن معا. في حال كنت تؤمن بالأشباح، وكما يقال فلندن من بين أكثر المدن المسكونة بالأرواح، ولذا تنظم رحلات خاصة بالتعرف إلى الأماكن الذي يعتقد البعض بأنها مسكونة بالأشباح ويطلق عليها اسم The Ghost Tour وتبدأ من «غرين بارك» وتنتهي في بورتوبيللو رود. ومن الأماكن المميزة التي تمزج ما بين الأكل ومتعة القراءة، مقهى ومحل «بوكس فور كوكس» Books for cooks وهو عبارة عن محل لبيع كتب الطبخ، وفيه يمكنك أن تتناول الوصفات المكتوبة في الكتب، التجربة فريدة من نوعها، وكل يوم تختلف الوصفات باختلاف انتقاء الكتاب والمطبخ.