تقول مصادر قيادات تؤيد خيار رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية أن واحداً من أسباب تأجيل عودة زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى بيروت، التي كان مخططاً لها أن تتم الأسبوع الماضي، ثم تأخرت الى اليوم الثلثاء، هو أن الخلاف بين «المستقبل» وحليفه حزب «القوات اللبنانية» بلغ مرحلة متقدمة، بسبب تأييد الأول لخيار فرنجية ورفض رئيس «القوات» سمير جعجع له في شكل مطلق، الى درجة أن أوساط الحزبين أخذت تتحدث بلهجة غير مسبوقة عن تدهور العلاقة بينهما. وأشارت المصادر الى أن هذا التدهور هو أحد مظاهر خلخلة التحالفات التي ظهرت بين قوى 14 آذار، مثلما بدا واضحاً أيضاً ضمن قوى 8 آذار، لا سيما بين زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون وفرنجية، على رغم حرص فرقاء الخلاف في كل من المعسكرين على إصدار المواقف عن وحدة كل منهما وعن ان الخلاف لن يصل الى حد الفراق، نظراً الى عدم اتضاح المواقف النهائية حتى الآن. ويلغط الوسط السياسي اللبناني من كل الجهات بمعطيات عن الخلاف بين «القوات» و «المستقبل» مثلما هو حاصل بين عون وفرنجية، وسط غياب الأجوبة عن حقيقة موقف «حزب الله» من ترشيح فرنجية، بعد أن كان الأخير أبلغ الحريري في اجتماعهما قبل أسبوعين في باريس ان الحزب أبلغه تأييده خياره إذا وافق زعيم «المستقبل» عليه وأن قيادة الحزب شجعت فرنجية على انتزاع تأييد الحريري له وهي ستمشي بخياره. بل أن بعض القياديين يتساءلون عن سبب تردد الحزب بعد أن بلغته معلومات عن أن توافقاً سعودياً - إيرانياً حصل على خيار فرنجية في اجتماعات بين الجانبين. وإذ يعترف مؤيدو خيار فرنجية من قوى 8 آذار بأن الحزب محرج بين عون وفرنجية بعد رفض الأول لاتفاق الثاني مع الحريري، فإن لائحة تبادل الانتقادات بين «المستقبل» و «القوات» تتوالد كل يوم. فمن جهة «القوات»، ينقل عن قياداتها ان الحريري ذهب بعيداً في تجاهل حلفائه في محطات عدة، أبرزها حين بدأ اتصالاته السرية مع العماد عون، أوائل العام 2014 وفي تأييده للرئاسة الأولى من دون التنسيق مع قوى 14 آذار و «القوات» كقوة مسيحية رئيسة معنية بالإستحقاق الرئاسي. كما تنتقد «القوات» عدم أخذ «المستقبل» بمصالح حلفائه المسيحيين في قانون الانتخاب قبل أكثر من سنة، عبر ميله الى الإبقاء على قانون الستين الحالي، والنظام الأكثري، ما اضطر جعجع الى القبول مع القيادات المسيحية الأخرى والخصوم، بمشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي (قبل أكثر من عام) الذي يقول بانتخاب كل مذهب لنوابه على أساس نسبي، وهو ما فرض التوصل الى حل وسط يدمج بين النظامين النسبي والأكثري من خلال اتفاق بينه وبين «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، كما يذكّر حزب «القوات» بالتنازلات التي قدمها «المستقبل» عند تشكيل الحكومة الحالية، بالاتفاق مع عون و «حزب الله» على تركيبة هذه الحكومة بعدما كانا توافقا على قيام حكومة من الحياديين، ما اضطر جعجع الى رفض المشاركة في الحكومة. ولا تقف لائحة اعتراضات «القوات» على مواقف حليفه عند اختلاف الرؤية حيال العودة الى طاولة الحوار الوطني التي رفضت هي المشاركة فيها طالما ان «حزب الله» لا يطبق ما يتفق عليه من قرارات تأخذها، مروراً بالخلاف على عقد الجلسة التشريعية الأخيرة التي اشترط جعجع ان تشمل قانون الجنسية وقانون الانتخاب، اضافة الى القوانين المالية الملحة المطلوبة، بعد تعطيل عمل الحكومة ومجلس النواب... وصولاً الى قيام الحريري باتصالاته مع فرنجية من دون أدنى تنسيق مع حليفه، واتفاقه معه على دعمه للرئاسة في وقت يعرف أن هذا الخيار ضده، إن كان على مستوى التنافس والتناحر في منطقة الشمال، أو على الصعيد الوطني. ولـ «القوات» قراءة مغايرة لقراءة «المستقبل» عن ان الوضع الاقليمي تغيّر والوضع السوري ذاهب الى حلول يضعف معها تأثير صديق فرنجية بشار الأسد على السياسة اللبنانية، لتبرير موافقة الحريري على خيار فرنجية. وترد «القوات» على هذه القراءة بالقول أنه إذا صح أن تغييرات الوضع الاقليمي وضعف العامل الإيراني في سورية تبرر هذا التنازل، فإن هذا الواقع سبب إضافي للإمتناع عن التنازل لمصلحة مرشح من 8 آذار ومن الأفضل الانتظار حتى تتبلور الأمور، تمهيداً لاعتماد خيار تأييد مرشح توافقي لا ينتمي لا الى 8 أو 14 آذار. وإذ ترد «القوات» على حديث «المستقبل» عن تفرد «القوات» بصوغها ورقة «إعلان النيات» بينها وبين «التيار الوطني الحر»، فإن قيادتها تقول أنها تتحدى أياً كان ان يكون إعلان النيات قد شمل الرئاسة الأولى بل على العكس بقي الموضوع الخلافي الأبرز بينهما حيث امتنع جعجع عن تقديم أي تنازل في هذا المجال لمصلحة عون. وتقول مصادر سياسية واكبت الحملات المتبادلة بين الجانبين، ان وقوف جعجع ضد خيار فرنجية دفعه الى إبلاغ بعض الجهات بأنه إذا قرر الحريري اعلان تأييده رسمياً هذا الخيار، ففي الوقت الذي يعرف أن زعيم «المستقبل» سيفعل ذلك، سيسبقه ولو ببضع دقائق في عقد مؤتمر صحافي يعلن فيه تأييده ترشيح العماد ميشال عون، بمواجهة فرنجية، لأنه ليس من النوع الذي يتم ابلاغه باتفاق على الرئاسة وما عليه إلا أن يبصم. وفي المقابل تطول لائحة انتقادات «المستقبل» حيال حليفه وفيها تذكير أيضاً باختلافهما حيال مبادرة جعجع الى ترشيح نفسه للرئاسة عام 2014 من دون التنسيق مع الحريري، الذي اقتصر علمه بالأمر على الإبلاغ فقط، ما اضطره الى دعم هذا الترشيح، وهذا أفقد قوى 14آذار القدرة على المناورة أو التسوية، هذا فضلاً عن موافقة جعجع على حصر الرئاسة بالأقوياء الأربعة. ومثل «القوات»، ينبش محيط «المستقبل» ماضي التموجات في العلاقة فيعود الى تفرد جعجع في الموافقة على مشروع قانون «اللقاء الأرثوذكسي» للإنتخابات، الذي اعتبره الحريري قاتلاً، ويستهدف إنقاص الكتلة النيابية للحريري، وأن لولا ضغوطه مع «اللقاء الديموقراطي» والرئيس ميشال سليمان لما تراجع عن هذا المشروع. وتسوق مصادر «المستقبل» أمثلة على تفرد جعجع بالإشارة الى أنه مقابل انتقاد «القوات» للمفاوضات التي خاضها الحريري مع عون، فإن جعجع لجأ الى ورقة اعلان النيات مع الجنرال، حين وصل الانفتاح عليه بهدف حلحلة العقد أمام تعطيل المؤسسات وانتخاب رئيس الجمهورية، الى طريق مسدود. وإذ تشير الى ان التعاون بين عون وجعجع قاد الى اشتراك الثاني في عملية تعطيل المؤسسات في ظل شروطهما لعقد جلسة تشريعية لإخراج البرلمان من حالة التعطيل التي انعكست تدهوراً في أوضاع البلد الاقتصادية، تقول ان استمرار ترشح جعجع وعون للرئاسة لم ترافقه أي مبادرة أو محاولة للخروج من الفراغ الرئاسي القاتل الذي لم يعد محتملاً لا للبلد ولا لـ «المستقبل» لأنه يؤدي الى استنزافه في مناطقه أمنياً وسياسياً واجتماعياً، وبالتالي كان لا بد له للعمل من أجل الخروج من الفراغ الذي أدى التنافس المسيحي - المسيحي الى إطالته. وتنتهي أوساط «المستقبل» الى القول ان ما تعيبه «القوات» عليه بسبب إقدامه على تسوية فرنجية، بهدف إخراج البلاد من دائرة استمرار الصراع السنّي - الشيعي يشكل فرصة لا بد من خوضها، في وقت لا يراعي الحليف القواتي هذا الهم عند الحريري على رغم انه يعطل البلد برمته. فكيف يكون الحليف حليفاً إذا كان لا يساعد على الخروج من المأزق؟