أربيل: شيرزاد شيخاني لندن: ثائر عباس تترقب تركيا بحذر شديد التطورات الجارية في المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا، وتتلقى أحيانا شظايا هذه الحرب مع إعلان أنقرة أمس عن وفاة شاب تركي متأثرا بجروح أصيب به جراء «رصاصات طائشة» أطلقت من الجانب السوري، وسط اتهامات كردية لها بتشجيع ودعم المقاتلين الإسلاميين الذي يقاتلون الأكراد منذ نحو أسبوع. لكن الأخطر بالنسبة إلى تركيا، هو ما تلمحه من «أحلام انفصالية» لدى الأكراد في هذه المنطقة الذين يمضون في خيار إقامة برلمان وحكومة محلية وسن دستور خاص بالإقليم الكردي. وتؤكد مصادر رسمية تركية لـ«الشرق الوسط» أن إقامة كيان انفصالي على الحدود «خط أحمر»، مشيرة إلى معلومات عن نشاط لتنظيم «حزب العمال الكردستاني» الذي تصنفه أنقرة إرهابيا في هذه المناطق ما يزيد من الريبة والحذر. وعلى الرغم من النفي المتكرر لأكراد سوريا لوجود نية بإعلان دولة، أو كيان مماثل، فإن أنقرة لا ترى في هذه الإجراءات شيئا آخر، إذ يؤكد مسؤول في الخارجية التركية لـ«الشرق الأوسط» أن بلاده تعلم بوجود هذه النية لديهم (أكراد سوريا) وتحذرهم من «الأحلام الانفصالية» لأنها سوف تتحول إلى كابوس وتجر المنطقة إلى سيناريوهات غير محبذة. وأشار المسؤول إلى أن الحشود العسكرية التركية التي نقلت إلى المنطقة «تهدف إلى حماية السكان الأتراك بعد تكرر الاعتداءات على الأراضي التركية». وعلى الرغم من أن المسؤول التركي رفض التعليق على المعلومات التي تتحدث عن احتفاظ أنقرة بخيار التدخل العسكري في هذه المنطقة لمنع إقامة الدولة، فإن المسؤول نفسه كشف أن الحكومة التركية سوف تطلب من البرلمان تجديد التفويض بالدخول إلى الأراضي السورية إذا أحس الجيش بوجود خطر يستدعي ذلك الذي منحه البرلمان للحكومة في سبتمبر (أيلول) الماضي لمدة سنة واحدة قاربت على الانتهاء. وقال المسؤول: «سوف تعيد الحكومة على الأرجح طلب التفويض، لكن هذا لا يعني أننا سندخل الأراضي السورية غدا». وأفادت المعلومات أن اجتماعا أمنيا عقد برئاسة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بحث في الوضع «المقلق» على الحدود حضره رئيسا الاستخبارات والأركان وجرى فيه تقييم الوضع الميداني وخيارات أنقرة. وفي المقابل أكد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (بي واي دي) الموالي لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، سعيه لتشكيل برلمان وحكومة محلية وسن دستور خاص بالإقليم الكردي في المناطق الكردية الخاضعة لسيطرته، لكن قياديا بالحزب أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «على الميدان لم نلحظ أي تحركات عسكرية أو استعدادات معينة، ولكن في حال تقدمت تركيا بأي خطوة بهذا الاتجاه فإننا سنرد بقوة على أي هجوم أو غزو لأراضينا الكردية». وقال الدكتور جعفر عكاش ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في إقليم كردستان العراق «هناك محاولات كثيرة من تركيا لإجهاض التجربة الكردية بإدارة غرب كردستان، ومعارك جبهة النصرة ضدنا تندرج في إطار تلك المحاولات والمخططات التركية لتوجيه الضربة لمناطقنا وإدارتنا، ففي الفترة الأخيرة لاحظنا وجود أسلحة ثقيلة لدى هذه الجماعة منها المدرعات والصواريخ، كما بدا ذلك أثناء معارك (الأبيض)، وهذه الأسلحة لا يمكن الحصول عليها إلا من قبل دولة، كما أننا ألقينا القبض على عدد من مقاتلي هذه الجماعة وثبت لدينا تورط تركيا بدعمهم، هذا بالإضافة إلى قيام تركيا بتحريض بعض الأحزاب والأطراف الكردية ضدنا، وخاصة بعد أن أعلنا أننا عازمون على بناء مؤسسات شرعية وديمقراطية في مناطقنا المحررة، وسعينا لاكتساب الشرعية الانتخابية عبر تنظيم انتخابات برلمانية تنبثق عنها تشكيل حكومة محلية». وفي الوقت الذي شدد فيه القيادي بحزب الاتحاد الديمقراطي أن حزبه لا يريد أن يهجم على أي طرف أو دولة مجاورة، وأن كل همه هو تشكيل إدارة منتخبة في المناطق الكردية واكتساب الشرعية من الشعب، فإنه على أتم الاستعداد للتصدي لأي هجوم أو غزو تفكر به تركيا مستقبلا. وكان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قد حذر هذا الحزب من مغبة «اعتماد أي توجه انفصالي كردي بسوريا»، مؤكدا أن «من شأن هذه الخطوة أن تثير غضب تركيا، وأن أي توجه من حزب الاتحاد الديمقراطي باتجاه الانفصال وفرض الأمر الواقع ستكون له تداعيات بالغة الخطورة». لكن رئيس الحزب صالح مسلم أشار في معرض رده على تصريحات أوغلو بمؤتمر صحافي عقده في أربيل أول من أمس، إلى أن مشروع تشكيل إدارة ذاتية بالمناطق الكردية ليس جديدا، بل يعود إلى يوليو (تموز) من العام الماضي عندما جرى تطبيقه في مناطق كوباني ورأس العين بشكل تجريبي، وبعد نجاح تلك التجربة فكر الحزب في تعميمه على سائر المناطق الكردية المحررة. وكشف رئيس الحزب أن «المحادثات بدأت منذ عدة أيام لتشكيل هيئة تشاورية ستضم خمسة أعضاء من كل حزب أو طرف سياسي يريد المشاركة بهذه الهيئة، سيتم انتخاب 12 عضوا منهم ليكونوا نواة إدارة شؤون المنطقة، وسيكونون بمثابة وزراء بالحكومة المحلية، وبعدها ستقوم هذه الهيئة بالتحضيرات اللازمة لتنظيم انتخابات برلمانية محلية في غضون ستة أشهر مع صياغة دستور محلي لملء الفراغ القانوني بالمنطقة لحين انجلاء الموقف وانتهاء أزمة البلاد». وبرر مسلم هذه الخطوة التي تعترض تركيا بشدة عليها بأن هناك عدة أسباب تدفعنا إلى إعادة تنظيم شؤوننا المحلية وتشكيل إدارة مستقلة، أهمها صعوبة الوضع الاقتصادي في المنطقة، حيث عانينا خلال الشتاء الماضي من ظروف بالغة القسوة بسبب الحصار الاقتصادي، ومن شحة المحروقات وحتى الخبز والأدوية وحليب الأطفال لم نستطع تأمينها للمواطنين، وهناك أيضا تصريحات من قادة عسكريين بأنه يمكن أن تطول أزمة البلاد لأكثر من عشرة أعوام، لذلك لا يمكننا الجلوس وتحمل المزيد من الظروف القاسية ومعاناة مواطنينا، ونؤكد لجميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية بأن هذه الخطوة بتشكيل الإدارة لا تعني انفصالا، إنما هي خطوة نحو إدارة ذاتية لمناطقنا لحين إيجاد حلول سياسية للازمة السورية. وأشار إلى أن «هناك تدخلات دولية وإقليمية في الشأن السوري، والهجمات التي تشنها علينا جبهة النصرة نشم منها رائحة غزوات الفتوحات الإسلامية، حيث حللوا إهدار الدم الكردي، وسبي النساء الكرديات.