تحدث خبراء في الشريعة والصيرفة الإسلامية عن وجود فجوة بين المعايير النظرية والتطبيق العملي لإصدار الصكوك، ما أثار جدلاً بشأن التوافق العملي للصكوك الإسلامية مع تحقيق الأهداف. في جلسة الأولى لمؤتمر هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) أمس (الأحد) بالمنامة، ذكر خبراء وجود فجوة المتطلبات النظرية والمتطلبات الواقعية لإصدار الصكوك، فثارة حفيظة أحد الحاضرين الذي رد بصمت غاضب «معايير الصكوك وضعها أكبر فقهاء العصر، وفق معايير العصر»، «وأرجو عدم الفهم» من ما قيل بأن الصكوك التي أصدرت حرام ولا تتوافق مع الشريعة، وأن على المستثمرين أن يتوبوا ويكفروا عن خطيئتهم... الصكوك التي صدرت في العالم تتوافق مع الشريعة، والمعايير الشرعية أصدرها أكبر فقهاء العصر». وأقيمت الجلسة الأولى لمؤتمر «أيوفي» أمس بعنوان «معيرة أسواق الصكوك وتجانسها»، والتي تحدث فيها عضو لجنة المعايير الشرعية «أيوفي» ورئيس قطاع الشئون الشرعية الدولي في مصرف أبوظبي الإسلامي الشيخ أسيد الكيلاني. وقال الرئيس التنفيذي لشركة بيتك للاستثمار الكويتية عماد المنيع: «إن الصكوك الإسلامية أصبحت صناعة قائمة بذاتها، فهي ليست محصورة في الدول الإسلامية، فقد نراها في دول مختلفة، وتتعامل معها مؤسسات متعددة الجنسية، وبالرغم من نمو سوق الصكوك إلا أن هناك مزيداً من الأصوات تدعوا إلى معيرة الصكوك وتجانسها، في إشارة إلى دول علمانية مثل بريطانية التي سعت للاستفادة من الصكوك الإسلامية. وتحدث رئيس قطاع الشئون الشرعية الدولي في مصرف أبوظبي الإسلامي الشيخ أسيد الكيلاني عن أهمية تنميط الصكوك الإسلامية، منوهاً إلى أن التنميط هو العمل بمعايير موحدة، ويكون إما بالاتفاق أو الالتزام، وهذا لا يعني أن تكون الصكوك في قوالب متماثلة في كل شيء، وإنما هدف التنميط هو الضوابط الشرعية، ثم الانتقال للجوانب الفنية الأخرى. وقال: «إذا استقر الجانب الشرعي، استقرت الجوانب الأخرى، فإذا وضع الجانب الشرعي أمكن وضع ضوابط المحاسبة وغيرها». وذكر أن المفهوم العام للصكوك مازال غير مستقر، فهل حامل الصك يمتلك حصة في موجودات، ويتحمل مخاطر الملكية، فالبعض يرى أن الصكوك عبارة عن أداة دين، والبعض يراها أداة مشابهة للأسهم. وأكد على أهمية استقرار المفهوم العام للصكوك، والضوابط الشرعية العامة للصكوك ذات التأثير الائتماني والمحاسبي، وتنميط الهياكل العامة للصكوك، والتنميط في العقود والسندات. وقال: «الصكوك أداة جديدة، وكل شيء جديد يخضع للتجربة والتعديل، ويبقى خاضعاً للتغيير حتى يصل إلى مرحلة التنميط». وتحدث عن التباين لعملية إصدار الصكوك بين النظرية، وبين الواقع، مشيراً إلى أن الصكوك نظرياً أداة استثمار، ويتحمل حاملها المخاطر والريع، ولكن الواقع يقول إن الصكوك أداة دين، فهي في مخاطرها تتماثل مع مخاطر السندات. وبيّن أن البيئات القانونية لا تساعد، فلهذا يقوم المحامون ببذل جهد لتطويع المتطلبات الشرعية مع القوانين، وليس العكس، فمثلاً مصرف مركزي يفرض قوانين لا تتناسب مع المتطلبات الشرعية. وأشار إلى أن تنميط الواقع كأنه يجعل الصكوك ليست أداة استثمارية، من يصدرها يتعامل معها على أنها أداة دين، وعليه أن يردها بأرباح، ومن يشتريها يعتبرها كذلك أداة دين وعليها تحصيلها مع الأرباح. وهذا يتعارض مع الشريعة التي تقول بأن الصكوك أداة استثمارية. ومن تنميط الواقع، أن نشرة الإصدار قانونها النمط الإنجليزي، وتدرج في الأسواق بنفس أحكام أدوات الدين التقليدية. وأكد أن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) أطلقت مشروع لإعادة معيار الصكوك، وسيكون معياراً شاملاً من المفهوم إلى الإدراج، يتناول المتطلبات الشرعية. وقال: «ويمكن للهيئات الشرعية أن تحقق التنميط الاتفاقي، ومن ثم تصل إلى مرحلة أعلى وهي التنميط الإلزامي». من جهته، عقب رئيس المجلس الشرعي لـ «أيوفي» الشيخ تقي العثماني قائلاً: «إن السوق عطشى لإصدار الصكوك، وهناك جوانب لتحسين الصكوك، ومنها: تنميط الأمور الأساسية التي تجسد الصكوك». ورأى أن الصكوك الموجودة في السوق معظمها تهدف إلى إدارة السيولة الخاصة بالمؤسسة المالية، وليس إنشاء أصول جديدة تفيد الاقتصاد الحقيقي، يفترض أن تكون هناك أصول أساسية ويتم إصدار الصكوك عليها، مثلاً أرض أو مطار يستخدم لإصدار صكوك، يتم تحويل الملكية لحاملي الصكوك، ولكن يتم إعادة الملكية إلى المالكين، وهذا لا يخدم الاقتصاد. وفي إشارة إلى أن الهدف هو إدارة السيولة للمؤسسات رغم أن الصكوك الحقيقية يجب استخدامها لتطوير الاقتصاد وإنتاج أصول جديدة. كما تحدث عن انتقادات بخصوص إصدار سندات تقوم فيها بتحويل ملكية الأصول من البائع إلى المشتري، وإنما تستخدم كأداة دين وليس كأداة استثمار. وأكد على أهمية مراجعة المجلس الشرعي لمعيار الصكوك في ضوء النقاط التي ذكرت خلال جلسة مؤتمر «الإيوفي»، وسد الثغرة بين ما هو نظري وبين ما هو واقعي. من جهته، قال مدير الجلسة: «هل الصكوك أداة دين أم أداة استثمار؟ بعضهم يستخدمها كأداة لإدارة السيولة، وبعضهم يستخدمها للحصول على تمويل إضافية لاستكمال مشروع...». وقال متداخل: «المحامون لا يقومون بتطويع المتطلبات الشرعية لتتناسب مع القوانين، وإنما المستثمرون هم من يملكون ذلك، ويفرضون صياغة معينة». متداخل ثانٍ ردّ بصوت غاضب على ما أثير من وجود فجوة بين هو نظري وما هو واقع في إصدار الصكوك، قائلاً: «الضوابط الشرعية أصدرها أعظم فقهاء العصر، وفق معايير العصر، وأرجو عدم الفهم مما ذكر في الجلسة، بأن الصكوك التي أصدرت حرام ومخالفة للشريعة، وأن على المستثمرين أن يتوبوا ويحللوا أموالهم». وكرر قوله بأن: «الصكوك التي صدرت في العالم صدرت وفي الضوابط الشرعية التي أكدها أعظم فقاء العصر...». فرد رئيس المجلس الشرعي لـ «أيوفي» الشيخ تقي العثماني قائلاً: «الصكوك التي صدرت وفيها فجوة بين ما هو نظري وما هو عملي، فنحن لا نصفها بأنها حرام ولا نقول إنها مخالفة للشريعة، وإنما هي لا تحقق مقاصد الشريعة»، مشيراً إلى وجود فرق كبير بين وصف عمل بالحرام، وبين اعتبار عمل بأنه لا يحقق أهداف مقاصد الشريعة.