كان موقف أوبك العام الماضي أكثر صرامة وأكثر وضوحاً من اجتماع الجمعة الماضي، فاجتماع هذا العام لم يكن موفقاً، ولو لم يعقد الاجتماع لكان أفضل عطفاً على القرارات الغامضة، اذ ان البيان الختامي لم ينص بوضوح على موقف المنظمة تجاه حصص الانتاج، وكان لتصريح وزراء النفط السعودي والايراني والعراقي بعد الاجتماع أهمية أكبر من الاجتماع نفسه حيث اتضحت حدة الخلاف بين المنتجين الرئيسيين داخل أوبك حيث تركوا الحبل على الغارب، فالسعودية تراهن على زيادة الطلب، والعراق يريد تعويض مافاته من سنوات ماضية في انتاج ما يمكن انتاجه العام القادم، وإيران تريد تعويض مافقدته إبان فترة المقاطعة في حال رفع الحظر في يونيو القادم، والحقيقة أن ردة فعل السوق على هذه القرارات كان هامشياً أيضاً فالأسعار كانت تهبط مادون 43 دولارا للبرميل لخام برنت قبل الاجتماع وارتفعت قليلاً فوق 43 دولارا بعد نتائج الاجتماع متجاهلته ومتفاعلة مع التعاملات اليومية لسوق النفط. وفي اعتقادي أن الجميع جاء الاجتماع وهو مقرر سلفاً ماعليه فعله دون اعتبار للمتغيرات التي قد يشهدها الاقتصاد العالمي في 2016. فقد نبدأ العام القادم وقد رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ما قد يؤدي الى تراجع اسعار النفط بسبب ارتفاع الدولار، وسيكون العام القادم أيضاً أكثر ضبابية وحدة في منطقة الشرق الأوسط. فالعداء الروسي التركي قد يتفاقم مايجر المنطقة الى مجابهات بين المحاربين ضد داعش الى محاربين يخدمان المنظمات الارهابية والدكتاتورية القائمة في سورية. بل ان الصراع قد يطول وتطول معه نفقات الحروب وعدم الاستقرار ما يؤثر بشكل كبير على النمو والاقتصاد لبلدان المنطقة، خصوصاً تركيا ودول الخليج، ناهيك عن أن نفقات الحروب تتجاوز ماهو مخطط له في الأساس ما يجعل هناك صعوبة في وضع تقديرات للموازنات القادمة مايجعل الغموض يتزايد بشأن الإنفاق الحكومي. فنحن بانتظار اعلان موازنة الحكومة السعودية خلال الأيام القادمة والتي يبدو أن اجتماع أوبك لم يخدمها كثيراً، حيث ستتجه الأنظار (كبديل) الى تقديرات الحكومة السعودية لأسعار النفط في موازنة 2016. والتي يبدو أنها ستكون متحفظة للغاية فالأنظار ستهتم كثيراً لموازنة الحكومة السعودية لسنة 2016 أكثر من نتائج ميزانية 2015 الفعلية والتي حسمتها الأسواق وأخذت في الاعتبار عجزا قد يصل الى 500 مليار ريال. إن التحدي الكبير الذي تنتظره الأسواق هي كيف ستكون أولويات الإنفاق العام القادم، وأي القطاعات ستتجاهله الموازنة، وأي القطاعات ستحظى بالاهتمام، وما مصير الإنفاق الاستثماري، وإنفاق البنية التحتية، وكم سيخصص للمشروعات الجديدة إن وجدت، وكيف سيستمر الانفاق على المشروعات القائمة، وهل تتوقف بعض المشروعات أم ستتعهد الحكومة بمواصلة الانفاق منعاً لحدوث ركود تتزايد حدته مع تناقص الإيرادات. صحيح أن الوضع المالي الحكومي سيظل قوياً في 2016 خصوصاً بعد نجاح الحكومة في الحفاظ على مستويات الاحتياطيات الرسمية في مستويات قوية بعد لجوئها للاقتراض من الداخل، لكن ذلك لن يستمر بنفس الزخم في الأعوام القادمة. فأسعار الفائدة المحلية ارتفعت بشكل متسارع وتجاوز السايبور 100 نقطة أساس وهو ماسيؤثر على سعر اقتراض الشركات المحلية ويزيد من تكاليفها. ومن أجل تخفيف الضغط على السيولة وخفض تكاليف الاقراض المحلية فقد تتجه الحكومة السعودية للاقتراض من الخارج لأول مرة. وكونها أول مرة فإن تكاليف الإقراض ستكون باهظة، خصوصاً وأن التقارير الإخبارية الأجنبية مثل رويترز وبلومبرغ كانت متحيزة وتساهم في رفع التكاليف على الريال السعودي. واذا أضفنا أن توجه الحكومة للاقتراض خارجياً سيكون بعد اعلان الموازنة العامة للدولة فإن مهمة مصدر السندات الحكومية ستعتمد بشكل كبير على القرارات والاصلاحات المتوقعة أن تخرج مع اعلان الموازنة، وقدرته على دحض شائعات خفض الريال السعودي والتقليل من أهمية بعض تقارير شركات التصنيف الائتماني، خصوصاً بعد فشل أوبك في اتخاذ قرار يحفظ أو يعطي أملاً في ارتفاع الأسعار. لذا فإنني أجد نفسي في موضع المترقب أيضاً، إذ يصعب عليّ ختم هذا المقال بسهولة فهناك صعوبة وغموض حاد في قراءة السنة القادمة لكنها ستكون حبلى بالمفاجآت، والتي أتمنى أن تبدأ سارة بإعلان موازنة تحافظ على النمو.