ثلاثة مداخل خاطئة تستدرج الكثيرين في رحلتهم المتعثرة لفهم ومتابعة قضية التغيرات المناخية في العالم والتي انعقدت من أجلها قمة باريس مؤخراً. المدخل الأول هو التعامل مع القضية باعتبارها مشكلة الأغنياء وحدهم. وأن الاهتمام بها رفاهية لا تحتملها الشعوب والدول النامية والفقيرة. المقاربة الخاطئة الثانية تتعلق باعتبارها مشكلة علمية في المقام الأول، وأن الأجدر والأقدر على التصدي لها والاهتمام بها هم العلماء وأهل الاختصاص وليس المواطن العادي. ثالث الطرق المضللة للاقتراب من الظاهرة هو الافتراض أنها مشكلة مرتبطة بالتوسع الصناعي فحسب، أي نتيجة لنشاط إنساني طبيعي وسلمي. وهي على هذا الأساس لا علاقة لها بالصراعات الدولية فهي إحدى قضايا السلام وليس الحرب. المداخل الثلاثة تفضي إلى اتجاهات مضللة وغير واقعية. فليس صحيحاً أن التغيرات المناخية هي قضية الأغنياء فقط ولا علاقة للفقراء بها، أمماً وشعوباً. وليس صحيحاً أيضاً أنها مشكلة صناعية ذات بعد علمي فحسب ولا شأن للمواطن العادي بها. ذلك أن أول من سيكتوي بنيران التأثيرات الكارثية للتغيرات المناخية هي الشعوب النامية والفقيرة، رغم أن المشكلة في الأساس من صنع الأغنياء في الدول الصناعية المسؤولة عن الانبعاثات الحرارية العالية التي تسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض بما يترتب على ذلك من آثار مدمرة. الدراسات الدولية المعتبرة تحذر من أخطار كارثية في حالة استمرار معدل الانبعاث الحراري بنفس مستوياته الحالية. وترصد هذه الدراسات مجموعة من التداعيات المرتبطة بذلك في مقدمتها التصحر والجفاف من جانب وهطول الأمطار الغزيرة والفيضانات من جانب آخر. النتيجة المباشرة لذلك هي تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وبالتالي نقص حاد في الغذاء بما يستتبعه ذلك من مجاعات وصراعات على الموارد مع تفشي الفقر والبطالة والأمراض. يضاف إلى ما سبق التحذيرات الجادة من ذوبان جليد القطبين مما سيرفع منسوب المياه في البحار والمحيطات ويغرق بالتالي مساحات واسعة من الأراضي. الأزمة هنا، فضلاً عن الكارثة الاقتصادية والإنسانية هي وجود أكثر 100 مليون إنسان يعيشون في مناطق لا ترتفع أكثر من متر عن سطح البحر وهو ما يعني أنهم سينزحون إلى مناطق داخلية. أي أن على العالم أن يستعد من الآن للاجئي المناخ كما يعتني بلاجئي الحروب. هذه الحقائق الصادمة تنفي أي انطباع عن أن المشكلة تتعلق بالأغنياء وحدهم أو أن الاهتمام بها يجب أن ينحصر في دائرة العلماء. المدخل الثالث الخاطئ للتعامل مع التغيرات المناخية هو حصرها في بعدها المرتبط بالتصنيع فقط كسبب أساسي وربما وحيد للمشكلة. ذلك أن التدخل البشري السلبي هنا لا يقتصر على النشاط السلمي فقط بل يتعداه إلى النشاط العسكري أيضاً. وإذا كان التصنيع قد ألحق هذا القدر من الدمار بكوكب الأرض فإن حروب المستقبل التي ستشمل العبث بقوانين الطبيعة يمكن أن تجعل الدمار الحالي مجرد دعابة بسيطة محتملة مقارنة بالفناء الذي قد تتسبب فيه للملايين. وقد نشر موقع جولبال ريشيرش البحثي تقريراً مهماً بمناسبة قمة باريس بعنوان حروب المناخ. والتقرير في الواقع إعادة موجزة لمقالة نشرتها عام 2007 مجلة إيكولوجيست المعنية بالطبيعة. وتشير إلى أن الولايات المتحدة وروسيا طورتا تقنيات متقدمة للتلاعب بالمناخ وإحداث تغيرات مناخية لأغراض عسكرية. وتتيح هذه التقنيات الجديدة حدوث سيول وأعاصير وفيضانات وجفاف. ويشير التقرير إلى أن واشنطن استخدمت عام 1967 وخلال الحرب الفيتنامية تقنيات لإسقاط الأمطار أو إطالة موسمها لإغراق خطوط الإمداد للقوات المعادية. وفي الوقت الحالي تشرف القوات الجوية الأمريكية على برنامج معروف باسم هارب HAARPوهو منظومة لإنتاج الطاقة الحرارية. ووفقاً لوثيقة صادرة عن القوات الجوية الأمريكية بعنوان التقرير النهائي ايه اف 2025 فإن تعديل المناخ يقدم طائفة واسعة من الخيارات لهزيمة العدو، وأن للبرنامج خواص هجومية ودفاعية، كما أنه سلاح ردع. وقد تأسس هذا البرنامج عام 1992 في ألاسكا وهو عبارة عن منظومة تضم 132 برجاً من الهوائيات فائقة القدرة ترسل، عبر موجات الراديو عالية السرعة، كمية كبيرة من الطاقة إلى الغلاف الأيوني الاينوسفير وهو الطبقة العليا من الغلاف الجوي. ويعتقد العلماء أن من شأن ذلك رفع حرارة الغلاف الجوي وبالتالي خلق ثقوب جديدة بل تصدعات حقيقية في الطبقة التي تمنع الإشعاعات المدمرة من النفاذ إلى الأرض. ولأن هذه المخاوف ليست أوهاماً بل حقائق، حتى لو لم يتحدث عنها الإعلام كثيراً، فقد تنبهت إليها الأمم المتحدة وصدقت جمعيتها العامة على معاهدة عام 1977 لحظر الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي لتقنيات التغيرات المناخية بما من شأنه جعل هذه التغيرات دائمة أو مستمرة لفترة طويلة أو ذات عواقب وخيمة. ووضعت الاتفاقية تعريفاً واضحاً للتغير المناخي العمدي باعتباره أي تغيير يتم عبر التلاعب المقصود في الموارد الطبيعية أو التفاعلات أو الهيكل أو التركيب الخاص بالأرض بما في ذلك فضاؤها الخارجي والأحياء على سطحها ومياهها والغلاف الجوي والفضاء الخارجي. لم تكتف الأمم المتحدة بذلك بل أعادت تأكيد كل ما جاء في تلك الاتفاقية في معاهدة 1992 الموقعة في قمة الأرض في البرازيل. القصة طويلة والدرس الأول الذي نتعلمه منها هو أن الطبيعة قد تكون قاسية في بعض الأحيان ولكن يظل من الممكن ترويضها والتعايش معها كما أنها دائماً تعطي بسخاء مهما أمعن الإنسان في تدميرها. assemka15@gmail.com