×
محافظة المنطقة الشرقية

"تمكين" تجتمع مع اللجان الإستشارية للقطاعات الاقتصادية قبل إطلاق مهامهاالعام القادم

صورة الخبر

يُمثِّل الخطاب أداة مهمة للتأثير والسيطرة، وقد حظي مضمون الخطاب بأهمية متزايدة في العقود الأخيرة، نظرًا لأهميته في التأثير في الوعي الجمعي للشعوب، وكذلك لاستخدامه من أجل الاستحواذ أو الحفاظ على الشرعية السياسية أو الدينية، وفي هذا الإطار يأتي كتاب "خطاب داعش لتحفيز الأمّة الإسلامية"، من إعداد الباحثةAmaryllis Georges وهي باحثة متخصصة في شؤون الإرهاب وحقوق الإنسان، ومديرة تحرير مجلة "اتجاهات البحوث والاستشارات" يوليو 2015، ويحاول هذا الكتاب وفقا لقراءة وعرض الباحث السياسي أحمد عبد العليم، بحث الاستراتيجية اللغوية التي يستخدمها تنظيم "داعش" من خلال تحليل خطاباته التأسيسية لتنظيم داعش الإرهابي. تشير الباحثة إلى أنه تم إعلان ما يسمى "دولة الخلافة الإسلامية" خلال إحدى خُطَب أبو بكر البغدادي في يوليو 2014، وأن ذلك قد تم من خلال طريقتين عرضهما لتكريس الخلافة في الأمّة الإسلامية، إحداهما مرتبطة بتشكيل هيئة إسلامية عالمية فريدة، والأخرى مرتبطة بإيجاد العدو، لتحفيز المسلمين بوجود "معسكر الإسلام" في مواجهة "معسكر الكفر". وقدم هذه "الدولة" الإرهابية باعتبارها المدينة المطلوبة لمعاناة المسلمين حول العالم. كذلك فإن الباحثة ترى أن البغدادي يركز على فكرة الجهاد باعتبارها فكرة مركزية ومحورية يحاول من خلالها استقطاب المسلمين من كافة أنحاء العالم من أجل المشاركة في دولة الخلافة المزعومة. وقد اعتمدت الباحثة على منهج التحليل النقدي للخطاب CDA، نظرًا لأهمية هذا المنهج في استكشاف التفاعلات اللفظية واللغوية الموجودة في متن الخطاب، وذلك في ظل التأثير المباشر وغير المباشر للخطاب في الإدراك الشخصي للأفراد، وفي هذا الإطار ومن خلال تحليل خطبة البغدادي التي أعلن فيها عن تنظيمه الضال فكرا وعملا، فإن الباحثة تقسِّم تحليلها إلى خمسة محاور أساسية، يمكن تبيانها على النحو التالي: 1 - الاستعانة بالنصوص الدينية: حيث يركِّز البغدادي دائمًا على إقحام النصوص الدينية من القرآن والسنة، من أجل توضيح فكرته والتأثير في المُتلقي، وحديثه عن ضرورة طاعة الله وتنفيذ أوامره وصيام شهر رمضان، ومحاولة تقديم نفسه باعتباره خليفة المسلمين والقائد الأعلى للمعسكر الجهادي بشكل وضع الظواهري زعيم تنظيم القاعدة على الهامش، وهو ما أدى إلى نشوب خلافات بين "داعش" وتنظيم القاعدة، وعدم اعتراف الأخير بخلافة البغدادي. 2 - الجهاد العالمي: حيث دعا البغدادي في خطابه إلى الجهاد باعتباره ضرورة مُلحة من أجل السير على خُطى "السلف الصالح"، ومواجهة أعداء الأمّة الإسلامية، حيث إن البغدادي يستخدم اللغة والدين من أجل تبرير مشروعه السياسي ورؤيته لدولة الخلافة الإسلامية، وتشير الدراسة إلى أن استخدام لفظ "المجاهدين" جاء بغرض التعظيم، وقد أكد أن المجاهدين إنما يبذلون تضحياتهم من أجل الوصول إلى جنة ذات جنات ونهر. البغدادي وأتباعه يستخدمون اللغة والدين من أجل تبرير مشروعهم السياسي. 3 - الأمّة الإسلامية الموحدة: حيث ركَّز البغدادي في خطابه على إعلان فكرة الجهاد والإعلاء من شأن المجاهدين باعتبار أن ذلك أمر حيوي للإسلام وإلى العودة إلى طريق الله كمدخل مهم لإعلان الخلافة الجديدة، وتعامل مع مفهوم "الأمّة" باعتباره وحدة مجتمعية تشمل كل المسلمين حول العالم، ويرسمهم في صورة المضطهدين الذين يعيشون حياة الإيذاء واليأس والاستضعاف، وذلك من أجل تجنيدهم وتحفيزهم كي يكونوا أداة باطشة لمواجهة هذا الظلم في إطار دولة الخلافة القويّة، على حسب وصف البغدادي، وكذلك مواجهة الغرب المتغطرس الكافر الإمبريالي الذي يقف جنبًا إلى جنب مع الإلحاد والفساد الأخلاقي. وفي حقيقة الأمر هناك تناقض واضح في خطب البغدادي، حيث إنه يشير إلى أمة المسلمين باعتبارها موحدة، إلا أن خطبه تشير إلى التفرقة بين المسلمين السنة ومسلمي باقي المذاهب وكأنهم أقل شأنًا، بل ساوى خطابه بينهم وبين من أسماهم الصليبيين واليهود. 4 - الإرهاب في فكر "داعش": تعامل البغدادي مع الإرهاب باعتباره ظاهرة ضد الإسلام والمسلمين في العالم، وأن العالم يصمت على ذلك، حيث يتم تدمير منازل المسلمين واغتصاب نسائهم في ظل تغاضي المجتمع الدولي، واعتبار أن ذلك ليس إرهابًا، وبالتالي فإن منهجه يعتمد على العنف من أجل أن يكون مُخلِّصًا للمجتمع الإسلامي من تلك المظالم. 5 - عدّد البغدادي أفضال دولة الخلافة لكافة المسلمين باعتبارها دولة استعادة الحقوق، وقيادة العالم، إضافة إلى أنها دولة المساواة بين المسلمين بكافة اختلافاتهم العرقية، وأن ما يزعم أنه خلافة إسلامية هي دولة تستحق التضحية، وأن أيّ شخص يعترض عليها أو يرفضها فهو عدو للإسلام وعدو للمسلمين. من جانبٍ آخر، فإن الباحثة تبرز التحليل الكمِّي لخطاب البغدادي باعتباره مؤشرًا مهما على إظهار مفرداته والكلمات الأكثر ترددًا في خطابه. فعلى سبيل المثال فإن خطابه التحليلي قد تضمن 2962 كلمة، كان أكثرها تداولا هو كلمة "الله" التي تمّ ذكرها 74 مرة، وهو أمر يفسره الكتاب بأنه محاولة من البغدادي لتأكيد ربط خلافته المعلنة باعتبارها تنفيذًا لشرع الله. وكذلك فقد استخدم كلمة "المسلمون" نحو 20 مرّة، واستخدم كلمة "الإرهاب" 14 مرّة، وكلمة "المجاهدون" ست مرات، وقد استخدم كلمة "هم" و"نحن" 17 مرّة، واستخدم "أنت / أنتم" نحو 53 مرّة. وهذه الكلمات بلا شك لها دلالات كبيرة مرتبطة بمحاولة تحفيز المسلمين نحو الانضمام والتصديق بما يدعيه وهو افتراء على الإسلام والمسلمين. تُشير الباحثة إلى أن الجماعات الإرهابية تعتمد بالأساس على تطويع النصوص الدينية من أجل تبرير أعمال العنف، وللاستحواذ على سلطة تُلزم الأفراد بطاعة أمير الجماعة، إضافة إلى إضفاء الطابع المؤسسي على فكرة الجهاد، واستخدام دعاية قوية، وتلعب اللغة دورًا كبيرًا في تجييش المجاهدين بشكل يدفعهم لبذل مزيدٍ من الوحشية، وتنطلق فكرة الجهاد في الأساس من وجود مظالم مجتمعية في الدول الإسلامية ومعاناة وظلم واستبداد، وهو ما يحسن استغلاله تنظيم داعش باقتدار من أجل جذب كثير من الشباب من مختلف المجتمعات الإسلامية. وفي السياق ذاته، فإن البغدادي يتعامل مع فكرة "السلام" باعتبارها تعني الضعف، وأن الدين -بحسب زعمه- لا يتسامح مع الضعف طالما أن المعركة من أجل البقاء ومن أجل نصرة الإسلام، ولذا فإنه يدعو إلى "حمل السلاح" من أجل أن يكونوا ضمن "جنود الدولة الإسلامية". ويتحدث بثقة بالغة باعتباره هو صاحب السلطة السياسية والدينية الشرعية، وأن دولته حدودها ليست أبدًا سورية والعراق فقط، ولكنها تشمل أيضًا كل مساحة جغرافية ممكنة يمتد إليها "التنظيم".  من جانب آخر؛ فإن الموقف النظري القائل إن اللغة يمكن أن تُوظَّف من أجل بناء وترسيخ أيديولوجية ما، هو موقف يتضح بشكل كبير في خطبة البغدادي لتدشين إرهاب دولته المزعومة. فمن خلال الاعتماد على المنهج النقدي تبين أن ذلك قد أثّر بشكل كبير في عديد من المسلمين المتطرفين في جميع أنحاء العالم؛ حيث كانت الخطبة ملهمة ومحفزة لهم من أجل الانضمام إلى دولة الخلافة. وفي السياق ذاته، فإن الإطار النظري للخطابات السياسية باستخدام تعبيرات وكلمات ومفردات بعينها يعزز بشكل منهجي من القدرة على التأثير في الناس. الحرب النفسية الداعشية لم يقتصر إرهاب "داعش" على حمل السلاح كأداة، بل تم استخدام الخطاب من أجل شن حرب نفسية أيضًا؛ حيث يستخدم في عديد من خطبه لفظ "يلحق"، و"يئن"، و"محنة" لإظهارهم بمظهر المضطهدين، وهي ذات التقنية التي تستخدمها جماعات أخرى مثل حزب الله، وعادةً ما يلحق بهذه الكلمات ألفاظ مثل "الجنود" و"الكتائب" لإبراز هذا وكأنه بمثابة الحل المؤكد ولدعم موقف "داعش" الجهادي. كذلك حرص على إثارة الحماسة لدى أنصاره، وفي الوقت نفسه إثارة الرعب والخوف لدى الحكومات والشعوب، فدائمًا ما يردد في خطبه -خاصةً التي تستهدف تهديد الدولة أو التي تتعهد بإقامة خلافة- ألفاظًا مثل "قريبًا" و"اليوم" و"الآن" و"سيأتي يوم" و"عهد جديد" و"لقد حان الوقت" و"بداية جديدة للأمة". وسبق أن استخدم البغدادي جملا لتحميس أتباعه وضم أتباع جدد مثل "من صمت ونام طويلا يجب أن يستيقظ الآن"، و"يجب أن تكون في حالة تأهب". وإجمالا فإن خطاب البغدادي هو خطاب "استدعائي" باسم الإسلام لبناء هوية إسلامية ليس لها حدود؛ حيث إنه يمثل دعوة إلى كافة المسلمين من كل أنحاء العالم من أجل الانضمام إليه تحت مظلة الجهاد العالمي، وكذلك فهو يحاول أن يستدعي أصحاب الكفاءات العسكرية والطبية والهندسية والعلماء والقضاة ومن غير ذوي التخصص ليكونوا هم بناة الهدم والتخريب والقتل. من جانب آخر فإن خطاب البغدادي هو خطاب "استعدائي" حيث إنه يقوم في الأساس على تقسيم العالم إلى معسكرين؛ أحدهما هو الإسلامي الخيّر والآخر هو الكافر الشرير، وقد نتج عن ذلك ظهور تنظيم داعش باعتباره تهديدًا جديدًا للنظام العالمي في ظل نجاحه في السيطرة على مساحات جغرافية واسعة، واستقطاب أناس من كافة دول العالم في ظل الحصول على تمويل هائل من مصادر مختلفة.