×
محافظة المدينة المنورة

ورشة تقدم القواعد الأساسية لخط التعليق في المدينة المنورة

صورة الخبر

هل نحن أمام معضلة.. مأزق.. مشكلة كبرى، أم أننا في مواجهة واقع مفروض ومختلف لا حيلة لنا معه، وما علينا سوى تحمّل تبعاته؟ الملاحظ أن الثقافة السائدة في مختلف الأوساط الاجتماعية اليوم، وفي معظم المجالات والميادين باتت ضحية للمطبوع، فكل ما يصل إلى الذهن الاجتماعي مطبوعاً فهو في خانة المعلومة المسلّم بها، والمواد التي يتداولها الناس عبر أدوات الاتصال الحديثة هي في نظر الكثيرين بحكم المعلومة التي تأخذ صفة القطعية، وهذا مصدر الخطر. هنالك معلومات طبية مثلا.. مجهولة المصدر يتبادلها الناس كما لو كانت حقائق لا تقبل النقاش، والمشكلة ليست في تداولها فقط، وإنما في البناء عليها رغم خطورة ما قد يترتب على ذلك. ويمكن القياس على هذا المجال في بقية المجالات.. حتى إن أي شائعة مهما كانت تافهة وعقيمة، وكثيرة الثقوب على مستوى المنطق، إلا أنها وفي إطار المطبوع قد تأخذ قيمة المعلومة الحقيقية التي تخول متلقيها باستخدامها بكل ثقة، ودون أيّ حذر. أيضا ليست هنا المشكلة، وإنما المشكلة في أن الرأي العام أصبح يتشكل من خلال مثل هذه المصادر المجهولة، وهذا ما يُؤجج الصراع في كثير من المجتمعات العربية، ويزيد شقة الخلاف بين الفرقاء، لأن المتلقي يمنحها صفة الموثوقية من خلال ثقته بالشخص الذي مررها إليه، رغم أنه يعلم أنه مجرد وسيط، وقد تكون غايته من تمريرها التهكم أو التندر أو حتى التسلية، وكثيرا ما سمعنا من يُردد ما يتم تداوله عبر تلك القنوات الاتصالية كما لو كانت معلومات محصنة، ولها كامل قوى الحقيقة التي لا تقبل الجدل. حتى إنه يمكن أن يتم البناء عليها لإبداء رأي، أو تقرير واقع، أو إصدار فتوى !، وهذا ملمح واحد فقط من ملامح غواية المطبوع التي باتت تشكل الجزء الأكبر من الثقافة الاجتماعية، وهنا لا بد من أن نتذكر ما تناوله المفكر العربي علي الوردي حول قضية استيراد الأدوات الحضارية، ورأي الأغلبية حول ضرورة الاستفادة من حسناتها وتجنب سيئاتها.. حينما علق قائلا : إن المسألة لا تتصل بشراء بطيخ، على اعتبار أن كل منتج حديث لا يمكن الفصل بينه كآلة وبين الثقافة التي أنتجته، فهو جزء منها وهي جزء منه، وعلى من يُريد أن يقتني هذا المنتج أن يتحمل تبعات ثقافته المصاحبة أو يستغني عنه وعنها بالمطلق، وأعتقد أن كاميرا الجوال وحدها كمثال فقط، والتحصينات التي تجري لمنع تسللها إلى مدارس البنات وحفلات الزواج، تكفي لكشف حجم هذا الصراع بين المنتج وثقافته التي جاء منها، وإذا كنا قد وجدنا بعض الآليات للفصل بين الجانبين في هذا المنتج بالتحديد، فهل سنجد آلية فاعلة للحد من غواية المطبوع عبر الرسائل التي تتدفق من هنا وهناك، وتتدخل مباشرة في صياغة الرأي العام، والتأثير في أحكامه، ودفع الناس للتوثق منها قبل تداولها..