الأرقام المتتالية والمذهلة التي تفرزها "أول بأول" الحملة التصحيحية العمالية والتجارية التي تنفذها حاليا الجهات المعنية الممثلة في وزارة الداخلية ووزارة العمل ووزارة التجارة سواء من خلال أعداد العمالة والعاملين غير السعوديين، او من حيث عدد السجلات التجارية يمكن القول إنها أرقام تضعنا أمام تساؤلات كثيرة جدا جدا.. تحتاج الى دراسة وبحث وحلول حاسمة.. هذه الحملة المباركة وإن جاءت متأخرة كثيرا لكنها حملة مقبولة - رغم بعض سلبياتها العملية الظاهرة - وهي حملة لقيت رضا من قبل كافة أبناء المجتمع الذين ظلوا يطالبون وينتظرون وينادون بتنفيذ مثل هذه الحملات لإنقاذ المجتمع والوطن والعمل التجاري من هذه الفوضى العمالية الأجنبية التي تجاوزت في معظم جوانبها كل حدود الأنظمة، ووصلت في بعض الحالات إلى درجة الخطر على المجتمع وعلى اقتصاد الوطن. فالأرقام الكبيرة والمذهلة التي أعلنت عنها هذه الحملة والمتمثلة في عدد السجلات التجارية المشطوبة سواء منها الوهمية او المخالفة للسعودة او غير الملتزمة بالشروط وكذلك عدد المحلات والمصانع والمؤسسات والشركات والورش وغيرها من كافة مجالات الأنشطة التجارية وكذلك الأرقام المتمثلة في عدد الأشخاص غير السعوديين سواء المقبوض عليهم وعدد الأشخاص الذين طلبوا مغادرة الوطن بعد أن كشفت هذه الحملة الوطنية المباركة حقيقة عدم نظامية عملهم وعدم نظامية إقامتهم.. هذه الأرقام المذهلة بل المؤلمة في كمية هذه الأعداد التجارية والعمالية التي كشفت الحملة عن عدم نظامية عملها مؤكد أنها مؤشر كبير يحثنا في هذا الوطن فورا على تدارك الكثير من الأخطاء والسلبيات من خلال مراجعة الكثير والكثير من الجوانب التجارية وخطط العمل وذلك من واقع ميداني ومن خلال آلية عمل جادة ومخلصة من اجل تصحيح أوضاع ووقائع أخرى كثيرة جدا والقضاء على أخطاء وسلبيات كثيرة ظلت تمارس من خلال هذه المهام وهي أخطاء وسلبيات تمثلت في أوجه كثيرة منها التسيب والتستر والرشوة والغش والتزوير والفساد والتهرب من الأنظمة والتعليمات ما جعل هذه السلبيات تقدم خدمات غير جيدة ومصادرة مكاسب هذا العمل الى خارج حدود الوطن وتغييب العامل المواطن عن سوق العمل، وحرمان المواطن من اكتساب الخبرة العملية الفنية والتجارية.. هذه الحملة الأمنية العمالية التجارية تؤكد لنا اليوم أنها كانت فرصة عظيمة جدا كشفت لنا الأقنعة والخفايا عن الكثير من الممارسات والأساليب التي كان يدار بها العمل التجاري في كثير من المواقع والمجالات والتخصصات، وهي خفايا كانت مجهولة او بمعنى أصح كانت مهملة على المستوى الرسمي وإن كانت معلومة لكثير من المواطنين.. هذه الخفايا والممارسات تتطلب من الجهات الرسمية عدم التوقف ومواصلة هذه الحملات بصفة دائمة وبفعالية وهيبة اقوى حتى يدرك المعنيون بها سواء غير السعوديين او حتى السعوديين ان هذه الحملة ليست (فورة مؤقتة) وأنها ستنتهي قريبا ثم يعود الخمول والفوضى من جديد .. فما بعد انتهاء المهلة هو المنتظر وهو الأهم وهو مرحلة العمل والجد من اجل فرض الهيبة وفرض مصداقية هذه الجهات في فرض النظام والسعودة وتهيئة المجالات لإحلال أبناء الوطن وتهيئة كل الفرص الممكنة لهم في هذه المجالات العملية الذهبية !! اليوم أجزم ان القطاع الحكومي أيضا بكافة وزاراته ومؤسساته في كل المجالات وفي كل المناطق هو أيضا في حاجة ماسة الى حملة مماثلة تشمل هذه الحملة كافة العاملين في أجهزة الدولة وتحقق للجهاز الرسمي وللوظيفة ككل الاحترام من خلال الالتزام بوقت الوظيفة حضورا وتواجدا وانصرافا وإنجازا.. حملة تخلص كثيرا من الأجهزة والإدارات الرسمية خاصة المعنية بخدمات المجتمع من الروتين ومن الكساد ومن الترهل ومن الخمول، ومن تدني الانجاز ومن تفشي ظاهرة المحسوبية ومن البطء في انجاز العمل ومن التسيب العملي والوظيفي وفي المماطلة والتسويف في المواعيد.. الخ الأجهزة الحكومية لدينا هي اليوم في حاجة الى حملة صارمة رقابية وتفتيشية من كافة الجوانب لكي تعاد الأمور إلى طبيعتها النظامية عملا وأداء وحضورا.. الأجهزة الحكومية اليوم في بلادنا هي اليوم في حاجة ماسة وعاجلة الى حملة تصحيح شاملة تكفل إعادة الهيبة والاحترام للوظيفة وللمراجع وللأنظمة والتعليمات.. حملة تضمن تحقق البقاء للأصلح أيا كانت مرتبته الوظيفية او أياً كانت طبيعة مسؤوليته وموقعه وفق مقاييس المصلحة الوطنية التي هي الأغلى ويجب أن تبقى فوق كل المصالح وعلى الجميع..