طرح فلاسفة أوروبا في القرن الثامن عشر آراء ومقولات في التغيير عامة وفي فكر الإنسان بصفةٍ خاصّة. الإنسان الأوروبي بالطبع لأنهم جزء منه ويمثلونه ويرصدون حجم التغيير المتسارع الذي أصابه آنذاك لضخامة الإنتاج العلمي والصناعي والمخترعات وكذا للحراك الشعبي والثورات التي تهدف الى تغيير الأنماط السائدة حينها وخصوصا الثورة على الكنيسة. ماذا عنّا هُنا في محيطنا الاجتماعي المحلّي؟ ربما الجيل الذين ولِدوا بعد العام 1990م يعتقدون بأن فكر المجتمع السعودي هو هذا الذي تفتحت أعينهم على توجّهاته أي السائد الحالي الذي يسيطر على تفاصيل حياتهم ويحدد شكلنا المُنمّط لدى الغير، وأنه لم يكن هناك أنساق فكرية مختلفة بل قد لا يتصورون أن المجتمع فكرا وشكلا وهوية مختلف تماما في حقبة زمنية ماضية عما هو عليه الآن. دعوني أُحدد فترة ما قبل فجر يوم 20 نوفمبر1979م/ 1 محرّم 1400ه لحظة اقتحام الحرم من قبل مجموعة همجية من المتطرفين بحجة مبايعة ونصرة المهدي المنتظر(المزعوم). كان المجتمع السعودي قبلها كأي مجتمع سويّ في الكون يسير نحو التحضّر والمدنية بخطى ربما سبقت وقتها حيث كان قادة هذه البلاد وفي مقدمتهم الملك فيصل العظيم مُهندس التطور وخطط التنمية لا يُهادنون في مسألة العصرنة والارتقاء بالوطن وأهله لمصاف المجتمعات الحديثة مع الأخذ بكل الأسباب الموصلة لذلك الهدف. بجانب التحديث المتسارع في قطاعات الأمن والتعليم والاقتصاد والبنى التحتية كان بناء الإنسان فكرا وسلوكا وهويّةً يسير بذات التسارع رغم التحديات التي واجهت الوطن وقادته من بعض الكارهين لذلك النجم الصاعد عربيا (المملكة العربية السعودية). لم تقف آنذاك صناعة الإنسان على المؤسسات التعليمية فقط بل كان لوسائل الاعلام ومؤسسات الثقافة والفنون والآداب دور كبير في هذا الشأن لهذا كانت بلادنا (على سبيل المثال) من أوائل الدول العربية التي سارعت في افتتاح محطات للتلفزيون (بدأ البث الرسمي عام 1965م/1385ه) ثم توالت المشروعات التي تستهدف فكر وثقافة الإنسان السعودي. تعطّلت تلك المسيرة وبكل أسف بعد حادثة اقتحام الحرم التي ربما مهّدت لولادة تنظيم القاعدة وعبّدت الطريق لرحلة ما سُمي ب(الصحوة) فتوقف مشروع التحديث بل قد لا أُبالغ لو قلت بأن الوطن أُصيب بانتكاسة لم يُفق منها بعد. هذا هو الحاضر. ماذا عن المستقبل؟ الراصد سواء في الداخل أو الخارج يرى في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله امتدادا لعزم وحزم سلفه الراحل الملك عبدالله في إعادة قطار الوطن لوجهته الصحيحة التي كان عليها قبل يوم 20 نوفمبر 1979 ومن ثم زيادة في السرعة لتعويض الزمن بدل الضائع. لمراسلة الكاتب: aalkeaid@alriyadh.net