استبق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي القرار الأميركي بإرسال قوات خاصة إلى العراق بإعلان رفضه المقترح الذي تقدم به رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأميركي جون ماكين بحشد قوات برية عربية وإسلامية لمقاتلة تنظيم داعش في العراق. العبادي أراد ضرب عصفورين بحجر واحد، وذلك لجهة رفضه مقترحًا غير ملزم لأحد وهو إرسال قوات عربية وإسلامية من الصعب التوافق عليها في مثل ظروف العراق الحالية، وهو ما سوف يؤدي إلى تهدئة المخاوف الشيعية، لا سيما مواقف فصائل الحشد الشعبي والقوى والكتل الموالية لإيران، التي أعلنت رفضها القاطع لدخول قوات عربية أو إسلامية إلى العراق. كما أن العبادي الذي كان تفاهم مع الإدارة الأميركية مثلما أعلن وزير الخارجية جون كيري بخصوص نشر قوات خاصة أراد إرضاء الأميركان على صعيد القوات الخاصة، مثلما أعلن المتحدث الرسمي باسم مكتبه الإعلامي سعد الحديثي. الحديثي وفي تصريح صحافي أعلن أمس (الخميس) أنه «جرى التفاهم مع الإدارة الأميركية على جلب هذه القوات» دون ذكر المزيد من التفاصيل. العبادي الواقع بين المطرقة الأميركية والسندان الإيراني لا يزال قادرا مثلما يرى المراقبون السياسيون في العراق السير على حبل العلاقة المشدود بين الطرفين الأميركي والإيراني اللذين لم يتمكن أي طرف منهما من حسم معركة النفوذ لصالحه داخل العراق، فضلا عن القضاء على «داعش». وفي هذا السياق يرى القيادي في ائتلاف دولة القانون ومحافظ بغداد السابق صلاح عبد الرزاق في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الولايات المتحدة الأميركية لا تريد القضاء على (داعش) بقدر ما تعمل على احتوائه، وهو ما يتناقض مع الرؤية العراقية التي تريد القضاء على هذا التنظيم الإرهابي الذي احتل ثلاث محافظات عراقية، وأدى إلى نزوح وتهجير الملايين من المواطنين العراقيين». وأضاف أن «(داعش) قتل وهجّر ملايين من مواطني المحافظات السنية، وهو ما يجعل عملية القضاء عليها واجبًا عراقيًا يتفق عليه الجميع».. وأشار عبد الرزاق إلى أن «الولايات المتحدة كان بإمكانها لو كانت جادة في محاربة الإرهاب تكثيف غاراتها الجوية على مواقع التنظيم المكشوفة لكنها لم تفعل ذلك سواء لجهة قلة الطلعات الجوية التي تقوم بها، أو عدم فاعلية تلك الطلعات، وهو ما يجعلنا نشكك بالنيات الأميركية بهذا الخصوص». من جهته، يرى الشيخ حميد الكرطاني أحد شيوخ عشائر الأنبار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الحديث عن دور الولايات المتحدة الأميركية مقابل الدور الإيراني في العراق أو بالعكس أمر لا يعكس طبيعة ما يجري في مناطقنا ومحافظاتنا الغربية، لأننا كعرب غير معنيين بطبيعة ما يدور بين الأميركان والإيرانيين بقدر ما نريد تحرير أراضينا وإعادة نازحينا». وأضاف أن «أبناء العشائر السنية طالما طالبوا الحكومة بإثبات حسن نياتها على صعيد التسليح والتدريب، كما أننا من جانب آخر ننظر إلى الكثير من المناطق التي تحررت في محافظات أخرى مثل صلاح الدين وديالى ولكن لا يزال الكثير من أبنائها لم يعودوا إلى ديارهم مما يجعلنا نشكك بنيات الجميع». من جهته يرى الخبير الأمني ورئيس المركز الجمهوري للدراسات الأمنية معتز محيي الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «القوات الخاصة هي في الأصل قوات كوماندوز لها مهام محددة ومدربة تدريبًا عاليًا ومعنية بمكافحة الإرهاب، وهي عبارة عن قوات إنزال سريع واختفاء ومنتخبة من عدة تشكيلات وكانت آخر عملية ناجحة هي عملية الحويجة التي ساعدت فيها أميركا قوات البيشمركة الكردية بتحرير مجموعة كبيرة من الرهائن كانوا محتجزين لدى (داعش)». وأضاف أن «المخاوف التي تبديها جهات عراقية خصوصًا الحشد الشعبي لها بعد سياسي كون الولايات المتحدة بدأت توسع نطاق عملياتها في العراق بطرق وأساليب مختلفة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تحجيم الحشد الشعبي لا سيما أن الأميركان باتوا لا يريدون منح الحشد دورًا في معارك الأنبار وكذلك في بعض معارك صلاح الدين»، كاشفًا أن «جزءًا كبيرًا من هذه المخاوف يأتي في سياق الاستعداد الأميركي إلى إنشاء قاعدة عسكرية جديدة على الحدود الدولية بين العراق وسوريا حيث توجد تفاهمات على هذا الصعيد، وهذه بحد ذاتها تثير مخاوف الجهات الرافضة لذلك». على الصعيد ذاته، أكد رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية عدنان السراج أن «العراق واضح في التفريق بين عدم حاجته إلى قوات برية من منطلق أن لديه قواتٍ تكفي لكنها بحاجة إلى تدريب وتأهيل وتسليح بالإضافة إلى أن القوات الخاصة تبقى حاجة عملياتية من خلال القيام بمهام محددة واستنادًا لاتفاق بين الطرفين»، مشيرًا إلى أن «المسألة المهمة على هذا الصعيد هي أن الحكومة العراقية كانت قد طالبت بالمزيد من الدعم الجوي والتدريب والتسليح لكن مشكلة الدعم الجوي حاليًا أنه يتم إما من قبل طائرات مسيرة أو طائرات مع طيارين على ارتفاع عالٍ، وما طالبت به الحكومة هو دعم إضافي عن طريق طائرات بارتفاع قريب لضرب أهداف أكثر دقة تحتاجها القوات العراقية التي تتقدم على الأرض، وهذه الطائرات تستدعي أن تكون فيها قوات خاصة». وبشأن التصريحات الأميركية بخصوص القوات البرية وغيرها قال السراج: «كلنا نعرف أن هذه السنة والسنة المقبلة فترة انتخابية في الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإننا يمكن أن نتوقع الكثير من التصريحات التي فيها خلط للأوراق». إلى ذلك عد نائب رئيس الوزراء المستقيل بهاء الأعرجي، إصرار أميركا على إرسال قوات برية إلى العراق، تجاوزا للسيادة العراقية ومحاولة للهيمنة على القرار السياسي العراقي. وقال الأعرجي، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن «أي قرار بإرسال قوات أميركية برية إلى العراق في هذا الوقت ليس المُراد منه محاربة عصابات (داعش) الإرهابية كما يُعلن في الظاهر، وإنما استعراض العضلات، لا سيما أن هنالك قوات روسية في سوريا قد أعلن عن وجودها أخيرًا». وأضاف «على الحكومة العراقية أن ترفض رسميًا وجود مثل هذه القوات حتى تُجنب العراق أن يكون منطلقًا لحرب بالوكالة»، مشيرا إلى أن «العراق اليوم ليس بحاجة إلى قوات برية وإنما جُل حاجته تتمثل بالدعم اللوجيستي، وطالما أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المُتحدة الأميركية قد تباطأ في تقديم هذا الدعم، فهذا مؤشر على وجود أولويات تتقدم على محاربة داعش عندهم». وأشار الأعرجي إلى أن «إرسال أي قوات برية أجنبية لا بُد أن يكون بطلب عراقي رسمي، وإن العراق من طرفه قد بيّن مرارًا وتكرارًا عدم حاجته لمثل هكذا قوات»، لافتا إلى أن «الإصرار الأميركي على ذلك يمثل تجاوزًا للسيادة العراقية ومحاولة لفرض الهيمنة على القرار السياسي في العراق وهذا أمر مرفوض مهما تعددت الأسباب والحجج».