أديب ومفكر ومستشرق إسباني، شملت كتاباته الرواية والرحلة والشعر والمقالات الصحفية، وعُرف بدفاعه الحماسي عن "المغرب الكبير"، وتناولت كتاباته الأثر العميق للغة العربية والحضارة الإسلامية في المجتمع الإسباني. المولد والنشأة ولد خوان غويتيسولو يوم 5 يناير/كانون الثاني 1931 في مدينة برشلونة (عاصمة إقليم كاتالونيا) بإسبانيا، ونشأ في كنف عائلة بورجوازية حيث عاش في جو مفعم بالثقافة، فقد كان له أخوان يعملان في مجال الأدب هما: الشاعر خوسيه أغوستين غويتيسولو، والكاتب لويس غويتيسولو. الدراسة والتكوين درس غويتيسولو الحقوق في جامعة برشلونة وسافر بعدها مباشرة في عام 1956 إلى باريس ليتخذ منها منفى اختياريا. التوجه الفكري توفيت والدته -وهو في سن السابعة- في قصف استهدفت به قوات الجنرال فرانسيسكو فرانكو (حكم إسبانيا 1936-1975 بعد انقلابه على المَلَكية، ووُصفحكمه بـ"الدكتاتوري") مدينة برشلونة. وربما تفسر تلك الواقعة أن حياته اتسمت بطابع المفكر المتمرد على نظام فرانكو، وبانتقاده لإسبانيا التقليدية المحافظة. رفض في عام 2009 "جائزة القذافي العالمية للأدب" (قيمتها 200 ألف دولار) لأن مصدرها المالي -وفقا لما كتبه هو- كان الجماهيرية الليبية "التي استولى فيها معمر القذافي على الحكم في انقلاب عسكري سنة 1969". الوظائف والمسؤوليات عمل غويتيسولو منذ 1956 مستشارا أدبيا لدار نشر غاليمار، أعرق وأقدم دور النشر الفرنسية، وخلال 1969-1975 مارس تدريس الأدب في جامعات كاليفورنيا وبوسطن ونيويورك بالولايات المتحدة. التجربة الأدبية كان لغويتيسولو إنتاج أدبي غزير حظره نظام الجنرال فرانكو منذ عام 1963، نظرا لانتقاده واقع إسبانيا الاجتماعي ودعوته إلى حرية الفكر. ولم يستطع العودة إلى إسبانيا إلا بعد وفاة فرانكو وزوال نظامه، نظرا للحكم عليه غيابيا بالسجن. انقسم إنتاجه الأدبي إلى مرحلتين واضحتين، فكانت رواياته الأولى تندرج في إطار اتجاهات الواقعية الاجتماعية التي سادت مؤلفات الخمسينيات، وكان أبرزها: "التلاعب" (1954)، و"مبارزة في الجنة" (1955)، والثلاثية المكونة من "السيرك" (1957) و"أعياد" (1958) و"الاستفاقة من السَّكرة" (1958). وأوضحت تلك الروايات فكره المناهض للبرجوازية، وهو ما أكدته الروايتان اللاحقتان: "مشاكل الرواية" (1959) و"حقول نيخار" (1960). وفي المرحلة الثانية من إنتاجه الأدبي -التي بدأت برواية "علامات الهوية" (1966)- تخلى غويتيسولو عن واقعية المرحلة الأولى، واستخدم التقنيات الجديدة للرواية المعاصرة. وقد تواصلت هذه المرحلة مع ظهور رواية "مطالبات الكونت دون خوليان" (1970) وهي رواية عن المنفى، و"خوان بلا أرض" (1975) التي اختتمها بصفحة مكتوبة باللغة العربية، لتسليط الضوء على قراره قطع علاقته بأوجه معينة من ثقافة وتاريخ بلاده. وتجدر الإشارة إلى أن غويتيسولو عاش متنقلا بين فرنسا والمغرب بعد وفاة زوجته الفرنسية مونيك لانج عام 1996، ثم قرر نقل مقر إقامته نهائيا إلى مدينة مراكش في المغرب. وقد عُرف غويتيسولو بدفاعه الحماسي عن فكرة "المغرب الكبير" التي كان أول من دافع عنها العلامة المغربي علال الفاسي الزعيم التاريخي لحزب الاستقلال المغربي، وهو المصطلح الذي يشير إلى خريطة المغرب خلال عصر الدولة السعدية. ويبدو اهتمام غويتيسولو بالمغرب وبالحضارة العربية والإسلامية في كتب أبرزها "مشكلة الصحراء" (1979)، و"إسطنبول العثمانية" (1989)، ورواية "مقبرة" (1999)، وكتاب "من دار السكة إلى مكة" (1997) الذي أبدى فيه اهتمامه وقلقه بشأن العلاقة بين الغرب والإسلام. وانتقد غويتيسولو مرارامن لا يسعون إلى معرفة الثقافة العربية، ومن ذلك تصريحه"قال لي أحد الأصدقاء العرب المختصين بالدراسات الإسبانية: هل تعلم بأنك أول كاتب إسباني يعرف التحدث بلهجة عربية منذ "راهب هيتا" في القرن الرابع عشر؟ فتخيلوا ذلك، إنه لأمر يحز في نفسي". المؤلفات ألّف غويتيسولو ما يزيد على 24 رواية و35 كتابا تنوعت موضوعاتها بين الحكايات ووصف الأسفار والشعر. لكنه اشتهر في العالم العربي بكتابه "إسبانيا في مواجهة التاريخ.. فك العقد"، الذي دافع فيه عن الثقافة العربية ودورها في التقريب التاريخي بين الشعوب والأمم. هذا إضافة إلى العديد من الكتب والمقالات في أبرز الصحف الإسبانية التي تناول فيها الأثر العميق للغة العربية والحضارة الإسلامية في المجتمع الإسباني. ونافح فيها عن الثقافة العربية ودورها في التقريب بين الشعوب عندما كانت في أوج تألقها. الجوائز والأوسمة نال خوان غويتيسولو العديد من الجوائز الإسبانية والعالمية، من بينها جائزة "أوروباليا" (1985) عن مجمل أعماله حتى ذلك العام، وجائزة "أوكتافيو باث" للمقال والشعر (2002)، وجائزة "خوان رولفو" لآداب أميركا اللاتينية والكاريبي (2004)، والجائزة الوطنية للآداب الإسبانية (2008). كما منحته مؤسسة "الحضارات الثلاث" (2009) جائزة الآداب والثقافات. وفي 2007 تقرر إطلاق اسمه على مكتبة "معهد سيرفانتس" في طنجة تكريما له. وفي عام 2010 تسلم غويتيسولو منالملك الإسباني جائزة "الدون كيخوته دي لامانتشا" العالمية عن مجمل أعماله، وبعد ذلك بشهرين فاز بجائزة أخرى تحمل اسم "كيخوته" التي تمنحها جمعية الكتاب المحترفين الإسبان سنويا لكاتب إسباني. وقد عبر عن سروره بهذه الجائزة، لأنها "بلا بروتوكولات وبلا لجنة تحكيم، مما يعني أنها غير خاضعة لمعايير السوق أو أي حسابات أخرى". كماظل اسمه حاضرا دائما بين مرشحي "جائزة سرفانتيس" أرفع جوائز الآداب الإسبانية.