لا بد من مقدمة طويلة للمقارنة بين عقليتين مختلفتين لكي يتضح الفرق النوعي. أنا طبيب سعودي، من أبناء القصيم تحديدا، درست العلوم الطبية في دولة غربية ديانة أهلها النصرانية، لكنهم لا يلزمون أحدا بمعتقدهم ولا يضايقونه في ممارسة معتقده، بل يسهلون ذلك له عند الحاجة. تعلمت جس النبض والتنصت على القلب وتحسس أعضاء الجسد وقياس ضغط الدم وسحب العينات وحقن الأدوية والمحاليل وتركيب القساطر، تعلمت كل هذه الممارسات التطبيقية على أجساد أولئك الناس وأنا الغريب عندهم، أطفالا وكبارا، صبايا وعجائز، شبانا وطاعنين في السن. تدربت لإتقان هذه المهارات على أجسادهم مثلما يتدرب زملائي في المهنة من أبنائهم، ولم يحرموني يوما من تطبيق عملي مهما كانت خصوصيته، بحجة التحرج من إشراك مخالف لهم مختلف عنهم في أخص خصوصياتهم الصحية والجسدية والاجتماعية، وهذه الأخيرة جزء أساسي من استجواب المريض قبل الفحص عليه.