تهيمن الشركات العائلية على أنشطة القطاع الخاص في المملكة ومنطقة الخليج العربي، وهي تمارس أنشطتها في كل القطاعات الاقتصادية دونما استثناء، من التقليدية كالزراعة وتجارة الجملة والتجزئة إلى الصناعة وتقنية المعلومات والاتصالات. بل إن العديد من الشركات العائلية الرئيسية اتجهت لتشكيل أذرع استثمارية ولتطوير الأعمال الجديدة، ومهمة هذه الأذرع البحث عن فرص لاستثمار السيولة الفائضة في امتلاك حصص في شركات أو الاستحواذ على شركات برمتها في المجالات الحيوية للشركة العائلية الأم، أو بما يساند توجهها المستقبلي أو يعزز وضعها التنافسي في السوق. إضافة لذلك فإن مهمة «تطوير الأعمال» تنحصر في البحث عن فرص استثمارية جديدة تباشر الشركة في رعايتها وتأسيس شركات جديدة للاستثمار فيها، وستجد ان العديد من هذه الشركات في مجالات متقدمة تقنياً، وفي خارج حدود المملكة ودول الخليج العربي، فالعديد منها في الأودية والأحزمة التقنية في أوروبا وأمريكا الشمالية. وليس من المبالغة القول إن الشركات العائلية مرّت بفترة مخاض قبل عقدين من الزمن، استطاعت الرئيسية منها أن تهيكل أنشطتها بما يبعد الشركة عن النزاعات العائلية أو تنافس الأجيال أو التصفية أو التجزئة، حيث اتخذت العديد من العوائل بآلية تقليدية هي التحول إلى شركة قابضة تملك الشركات الفرعية، وضبط النظام الأساسي ولائحة الحوكمة. وقد أدى ذلك في معظم الحالات إلى تعزيز الاستقرار وتخفيف المخاطر التي تؤثر سلباً على سمعة الشركة عند المتعاملين والمقرضين. وأفسحت هذه الترتيبات المجال واسعاً أمام الشركات العائلية للفصل –إلى حدِ ما- بين الملكية والادارة، ولجأت إلى استقطاب تنفيذين متخصصين لإدارة الشركات الفرعية، وقد أدى هذا التوجه إلى اتساع نشاط تلك الشركات في أسواقها وتحسين قدرتها التنافسية. وتجدر الاشارة، أن هناك من يعتقد أن الشركات العائلية نمطية تقليدية، وباقية «على طمام المرحوم». وهذا تشخيص خاطئ؛ إذ إن الاقتصاد السعودي قائم على النفط وعلى ديناميكية الشركات العائلية، باعتبار أن القطاع الخاص، في معظمه، عبارة عن شركات عائلية. ولابد من ملاحظة أن أبرز الشركات والمؤسسات في كل الأنشطة الاقتصادية دونما استثناء هي إما شركات عائلية أو شركات حكومية، ويلاحظ أن الشركات الحكومية تتركز في شركات الامتياز مثل المرافق كالكهرباء والماء والاتصالات، على سبيل المثال لا الحصر، في حين أن الشركات العائلية هي المؤثر في الزراعة والتعدين والتشييد والبناء والصناعة التحويلية غير النفطية وتجارة الجملة والتجزئة، وحتى عند استعراض الشركات المساهمة المدرجة نجد ان العديد منها اتخذت من أسماء العائلة اسماءً لها أو أن العائلة تمتلك حصصاً مهمةً، كما هو الحال في البنوك مثلاً. بناء على ما تقدم يمكن القول إن الملكية والأنشطة في القطاع الخاص مركزة ضمن نطاق محدود من الشركات العائلية، وهذا يحدّ بالضرورة من فرص النفاذ للسوق؛ إذ لا قِبَل للرياديين الشباب لمجابهة القدرة التنافسية التي تمتلكها الشركات العائلية الأم أو تلك المتفرعة منها، دون أن يخسروا «قمصانهم». ولهذا الاعتبار فلا بد من ضبط السوق لتكون فرصة دخول غماره متاحة للجميع، وهذا لن يتحقق إن لم تطبق قوانين صارمة تحمي المنافسة وتمنع الاحتكار وتوفر الموارد للرياديين وتخفف من مخاطرهم وذلك عن طريق احتضانهم إلى ان يقوى عود مشاريعهم، وإلا فإن آلة الشركات العائلية ستتمكن من أن تبلعهم أو تعلكهم أو أن تكسر عظمهم، نظراً لعدم تكافؤ القدرة التنافسية بين الطرفين. ولهذا السبب فلا بد من إيجاد منظومة متكاملة لرعاية وتمويل وحماية المنشآت الناشئة والصغيرة. وتعني المنظومة المتكاملة تكامل التشريعات ولوائحها وصرامة تطبيقها، مع توافر فرص وافرة للتمويل والتسويق والحضانة. كل ذلك انطلاقاً من أن مصلحة المجتمع تتحقق بانتعاش المنافسة في السوق، إذ إن المنافسة هي وقود الكفاءة والحافز للإبداع. وليس القصد مما تقدم محاربة الشركات العائلية بل ضمان اتاحة المجال للعصاميين والرياديين الجدد حتى لا تحتكر الفرص ولا الأسواق، فهي حق لكل من يريد أن يغامر، كما سبق أن غامر مؤسسو الشركات العائلية قبل سنوات أو عقود أو قرون من الزمن.