الأزمة التركية الروسية أعطت أزمات المنطقة بعدا جديدا لا يقل خطورة عما شاهدنا سابقا وإن كان يختلف عنها في طبيعته كونه بين دولتين من المفترض أن تكونا حليفتين في جبهة واحدة لمحاربة التطرف في سورية تحديدا وإن كان هناك خلافات واضحة عن مستقبل سورية بوجود الأسد أو عدمه، وهي نقطة خلاف كبيرة انعكست تماما على المواقف بعد حادثة إسقاط المقاتلة الروسية وما صاحبها من تداعيت أدت إلى شبه سقوط في العلاقات التركية الروسية، وعلى الرغم من وجود تنسيق مسبق وخط ساخن بين البلدين وعلاقات تجارية متنوعة إلا أن كل ذلك لم يشفع لتجاوز الأزمة التي حسب متابعاتي أن روسيا تتجه للتصعيد وهي بالفعل بدأت بفرضها عقوبات اقتصادية على تركيا شملت العديد من المناحي. التوتر التركي الروسي لن يقف عند هذا الحد حسبما أرى، ستكون له تبعاته السلبية بالتأكيد خاصة في ظل اختلاف التوجهات، وسنرى آثار هذه الأزمة منعكسة على الاجتماع المقبل حول سورية (فينا 3) الذي شهد بالفعل اختلافات بين المعسكرين مع وضد الأسد، فكيف سيكون الحال والأزمة التركية الروسية لا زالت قائمة وستلقي بظلالها على الاجتماع بالتأكيد سيزيد ذلك من تعقيد الأمور دون أدنى شك. والسؤال الذي يطرح نفسه أين موقع عالمنا العربي من هذه الأزمة؟ حسب ما أتابع أن هنالك انقسام عربي -كالعادة- على المواقف من هذه الأزمة فهناك من يؤيد وجهة النظر التركية، وهناك من ينحاز للمعسكر الروسي.. ولكل أسبابه التي بنى عليها موقفه سواء أكانت مواقف سابقة وحانت الفرصة للهجوم تحت غطاء الأزمة (هذا بالنسبة لمؤيدي الموقف الروسي) أو مواقف تعرف حجم تركيا وأهميتها بالنسبة للعالم العربي كحليف إسلامي تاريخي إستراتيجي في خضم ما تشهده المنطقة العربية من تحولات تكاد تكون جذرية من الممكن جدا أن تغير خارطتها وتعيد تشكيلها من جديد. أرى أن روسيا تريد خلط الأوراق في المنطقة بما يناسب إستراتيجيتها وبالطبع مصالحها، فدخولها عسكريا في الأزمة السورية لم يأتي عن اندفاع أو لحماية مصالح حليف لها، الموضوع لا يقتصر على سورية فهناك الأزمة في أوكرانيا التي لا زالت قائمة والعقوبات الغربية أيضا على روسيا لا زالت قائمة أيضاً، والتحرك الروسي لم يأتِ دون سبب، بل لأسباب كثيرة وإلا لماذا لم تنخرط روسيا عسكريا في الأزمة السورية التي قاربت على إكمال خمس سنوات إلا الآن؟ الأسئلة كثيرة والإجابات شحيحة وبين هذه وتلك يظل وطننا العربي مسرحاً للتجاذبات الدولية.