مع الاحتفال بالذكرى الـ44 لإعلان الاتحاد وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة؛ لابد أن تحضر ذكرى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة وباني نهضتها، وجهوده الكبيرة التي قام بها لسنوات حتى يتحول الاتحاد من حلم إلى واقع. ورغم أن الجهود التي بذلها الشيخ زايد لقيام الاتحاد على المستوى الرسمي وجمع كلمة حكام الإمارات السبع، كانت شاقة ومرهقة، واحتاجت إلى الكثير من الحكمة والإيمان والصبر، إلا أن جانباً آخر في قصة قيام الاتحاد لا يقل أهمية عن الجانب الرسمي والسياسي، وهو علاقة القائد بالشعب، هذه العلاقة التي أدرك الشيخ زايد أهميتها كأساس متين لقيام الدولة، وقدرتها على الاستمرار والنجاح والنهوض والتطور، فبذل الكثير من وقته وجهده، عن محبة صادقة، للاقتراب من شعبه في كل ربوع الإمارات، حتى من قبل إعلان قيام الدولة بشكل رسمي في 2 ديسمبر 1971. التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بُنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي، جاءت مبادرة 1971، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات. واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها الإمارات اليوم، بالتعاون مع الأرشيف الوطني، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها. 1971 .. قام المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، في أواسط عام 1971 بجولة مهمة في مختلف الإمارات للاطلاع على أحوال السكان. 20 .. قام الشيخ زايد بتوزيع مبالغ مالية على سكان أبوظبي والإمارات، عقب تولّيه حكم أبوظبي، بلغت 20 مليون دولار. 1974 .. جاءت الجولة الاتحادية الثانية للشيخ زايد في ربيع 1974، واستمرت شهراً كاملاً، وأطلق فيها العديد من المشروعات. 2 .. قرّر الشيخ زايد تخصيص أسبوعين بمعدّل مرتين في السنة للقيام بجولة اتحادية. تلمّس حاجات الناس تكررت جولات الشيخ زايد على الإمارات بالسبعينات، حتى باتت مناسبة متوقعة ومألوفة. وفي جولة كان يزور الخان، القرية الصغيرة في غرب الشارقة، فرأى حاجة إلى تحسين توزيع الماء والكهرباء، ولم يغادر قبل أن يأمر بإجراء ما يلزم على نفقته الشخصية الخاصة. كما قدّم مساحات من الأراضي الزراعية إلى 70 عائلة من ذوي الحاجة، وأعطى أوامره بإنشاء مستشفى خالد. نهج بناء الدولة أصبحت جولات الاتحاد، التي كان يقوم بها الشيخ زايد، من ثوابت أجندته الخاصة والأجندة الوطنية خلال سبعينات القرن الماضي. وكان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وقتها ينظر إلى هذه الزيارات باعتبارها نهجاً ضرورياً لبناء الدولة. منذ البداية أدرك الشيخ زايد أن رخاء الدولة لابد أن ينعكس على مواطنيها، وضرورة أن يسخّر الموارد لرفع مستوى معيشة الشعب، وتوفير سبل الحياة الكريمة للجميع دون استثناء، هذا الاعتقاد كان له أثر كبير في المنهج الذي وضعه للحكم، فعند تولّيه حكم أبوظبي تسلّم أول تقرير شامل عن الأوضاع المالية لأبوظبي، وأظهر التقرير أن عائدات النفط بلغت آنذاك 70 مليون دولار سنوياً، أما الأرصدة الحكومية فكانت بحدود 40 مليون دولار، وهو رقم هائل إذا ما قورن بالأحوال المعيشية للسكان بأبوظبي، بحسب ما يذكر غريم ويلسون في كتابه زايد رجل بنى أمة، الصادر عن الأرشيف الوطني، موضحاً أن الشيخ زايد دعا إلى قصره مديري المصرفين: العثماني والشرقي، إذ كانت تودع لديهما بعض حسابات الإمارة، وطلب منهما سحب أكبر قدر ممكن من المبالغ النقدية، وتسليمها إلى المجلس في مساء اليوم ذاته، ومع حلول الليل في أبوظبي؛ أرسل الشيخ زايد موظفي القصر إلى المناطق الفقيرة في المدينة لدعوة الفئات الفقيرة من قاطنيها إلى مجلس الحاكم، وهي دعوة لم يسبق أن وجهت إلى هذه الفئة من المجتمع. وفي مقابلة مع المغفور له الشيخ عبدالعزيز بن محمد القاسمي، أشار إلى أن أولئك المواطنين تم استقبالهم بترحيب شديد، وفي سابقة لم تحدث من قبل، قام الشيخ زايد بتقديم مبلغ من المال لكل واحد من هؤلاء المعوزين، وكان المبلغ لبعضهم يوازي ما يحصله طوال السنة، وقام بتوصية كل منهم بأن ينفق ما حصل عليه من مال بحكمة وحرص على عائلته. وتقاطر الناس على المجلس طوال تلك الأمسية، في حين كان موظفو القصر منتشرين في أرجاء المدينة بحثاً عن مزيد من ذوي الحاجة، بل وأرسل الشيخ زايد، رحمه الله، رجاله إلى مناطق البدو يدعوهم إلى المجيء إلى أبوظبي. وفي اليوم التالي؛ زحف على القصر آلاف الناس، وتم تنظيمهم صفوفاً متتالية بحيث كان كل منهم يمر بالشيخ زايد ليتسلم هديته المالية، مع توجيه من الحاكم بعدم التبذير. ويقول الشيخ عبدالعزيز بن محمد القاسمي إن هذه العملية غير المسبوقة من العطاء تواصلت أسبوعاً كاملاً كان الشيخ زايد يدعو فيه أياً كان للدخول في صفوف المنتظرين، التي أصبحت تلف القصر من كل جوانبه، وتضم أناساً جاؤوا من مسافات بعيدة بلغت حدود الفجيرة، لتشمل سائر الإمارات من رأس الخيمة، مروراً بأم القيوين وعجمان والشارقة، وصولاً إلى دبي، ما من شخص جاء وعاد خائباً. وما كاد يمضي أسبوعان على هذا (الاحتفال) من الكرم العربي، حتى بلغ ما وزّعه الشيخ زايد ما يقارب 20 مليون دولار تقريباً. أما بعد قيام الاتحاد؛ فلم يقصر الشيخ زايد يوماً في بث الشعور بضرورة تحقيق الوحدة وحس الانتماء بين سكان الإمارات السبع، وفي إطلاق مشروعات البنية التحتية والمساعدات الاجتماعية، وكانت جولته في إمارات الساحل في أواسط 1971، قد أخرجت آلاف المواطنين إلى الشوارع يرحّبون به كما لو كان بطلاً فاتحاً. وعدهم بأن يصبح لديهم مياه جارية وكهرباء، وبالفعل بدأ في تنفيذ تلك المشروعات. كان قد سلك ممرات وعرة وصخرية، وزار بعض العائلات العادية ذات الدخل المحدود، فحزن لما شاهده من حالة مزرية في تلك البيوت. كان رئيس الإمارات العربية المتحدة، في ذلك الوقت، يدرك عقب الاتحاد أن التحدي الأول والأكبر الذي يواجهه هو تحسين معيشة المواطنين الذين كانوا يعيشون ضمن الحدود الدنيا من متطلبات المعيشة، خصوصاً أنه سافر إلى الخارج ورأى كيف يعيش مواطنو بعض الدول المتقدمة. وعلى الرغم من برنامج الزيارات الدولية المثقل بالمواعيد والالتزامات الضاغطة للشيخ زايد، إلا أنه قرر أن يخصص أسبوعين من وقته بمعدل مرتين في السنة للقيام بجولة أكثر شمولاً لإمارات الدولة، وانطلاقاً من هذه الخطة قام بأولى جولاته على إمارات الاتحاد في مارس 1973، أي بعد إعلان الاتحاد بـ16 شهراً، وشملت جولته: الشارقة وأم القيوين ورأس الخيمة، إضافة إلى المنطقة الشرقية من أبوظبي. وخلالها رعى العديد من المناسبات، وتسنّى له التواصل المباشر مع الناس العاديين والاطلاع على حاجاتهم. عن الجولة يقول جورج تشابمن، الذي كان من الوافدين الذين عاشوا في الإمارات بتلك الحقبة: جاءت جولات الشيخ زايد لافتة واستثنائية بوقعها وتأثيرها، فقد انفجر الناس بالحيوية والحماسة، وكان تأثيره في النسيج الاجتماعي قوياً عميقاً. لمسة اجتماعية عبقرية لعل أمتع الساعات عند الشيخ زايد ساعة يخرج فيها من قيود البروتوكول ليجالس الناس العاديين ويشاركهم مشاغلهم، يقول وزير الزراعة والثروة السمكية السابق سعيد الرقباني، مضيفاً لقد عُرف عنه أنه صاحب لمسة اجتماعية يستسيغها الناس، أما هو فيستمد ارتياحاً كبيراً من شعور الناس بأنه قريب منهم، يجتاحه دفق من السعادة عندما يجالس جمعاً من المواطنين يبادلهم الأحاديث في شؤونهم اليومية بحرية وعفوية لا تشوبهما الشكليات الرسمية. عزم لا يلين في وصفه لزيارات الشيخ زايد، يشير الشيخ صقر بن محمد القاسمي إلى أن الشيخ زايد كان في حركته لا يهدأ متنقلاً من مشروع إلى آخر، واستمر على هذه الوتيرة يومياً طوال أسبوعين، وغالباً ما يكون يعود إلى أبوظبي في المساء في السيارة أو في طائرة مروحية، موضحاً أنه لم يزر مكاناً إلا كانت حشود الناس بانتظاره، وكثيراً ما كان يصر على أن يتركه الحرس والوزراء وحده كي يتيح للناس فرصة التحدّث بحرية. لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.