بعد أكثر من 35 سنة مضت على تحديد النسل في الصين بحصر عدد الأطفال في طفل واحد لكل أسرة،أعلنت الصين مؤخراً عن السماح للأسرة بطفلين. وفور صدور القرار ارتفعت أسهم شركات منتجات الأطفال من ملابس وأغذية وألعاب خاصة شركة غود بيبي وبيوستاين رهاناً على ارتفاع الطلب على منتجاتها بحكم الزيادة التي سوف تطرأ على عدد الأطفال. فهناك 160 مليون امرأة صينية في الشريحة العمرية التي تتراوح بين 20 و35 عاما وفي حال ارتفع معدل الخصوبة لديهن من 1.7 طفل لكل سيدة حالياً إلى طفلين خلال مدة حياتها فهذا يعني 53 مليون طفل صيني ينضمون إلى قائمة عملاء تلك الشركات. ولا شك أن هذا يعتبر مصدر زخم جديد لشركات العناية بالأطفال رغم أن المحللين يشككون في أن القرار سوف يؤدي إلى طفرة ولادات صينية أو أن يكون له تأثير على المشكلة الرئيسية التي تتمثل في شيخوخة المجتمع الصيني والخلل الديموغرافي الناتج عن تباعد الأجيال ما يعني أن عدد المتقاعدين من قوة العمل سوف يفوق كثيرا عدد العاملين القادرين على إعالتهم في وقت غير بعيد. وقد تسببت سياسة الطفل الواحد بين أعوام السبعينات والثمانينات من القرن الماضي في قنبلة ديموغرافية موقوتة قوامها قوة عمل صغيرة غير قادرة على إعالة كبار السن لعقود.ومثل هذا التحول يتطلب سياسة اجتماعية جديدة ويفاقم نقص الإنتاجية وضعف النمو في الاقتصاد الصيني. ولقد طالب علماء الاجتماع الصينيون بإلغاء سياسة تحديد النسل لسنوات طويلة مضت دون مجيب.ولهذا جاء رفع معدلات خصوبة المرأة الصينية من 1.7 طفل إلى طفلين بعد فوات الأوان.وقد كشف تقرير مختص أعده مركز دراسات الشرق والغرب عام 2005 عن أن رفع معدلات خصوبة المرأة عام 2010 كان من الممكن أن يعيد التوازن للتركيبة السكانية الصينية والحفاظ على عدد سكان البلاد في حدود 1.45 مليار نسمة. أما اليوم فقد فات الأوان. وحتى في حال استأنفت النساء الصينيات الإنجاب بمعدل طفلين بدءا من العام المقبل فسوف يقتصر تأثير ذلك على تأجيل بلوغ عدد السكان الذروة من عام 2030 إلى عام 2050 حسب الإحصاءات التي نشرها مكتب مرجعية السكان المتخصص في متابعة سكان الصين.وطبقا لهذا السيناريو فإن عدد سكان البلاد سوف يزيد بواقع 23 مليون نسمة حتى عام 2050 أي أن بلوغ العدد الذروة أو 1.45 مليار نسمة، سيبقى في حدود عام 2030. ولهذا فإن العمال الذين سوف يحلون محل كبار السن كان ينبغي أن يكونوا قد ولدوا قبل ذلك. وهناك عامل تعقيد آخر. فالسياسة الصينية ليست السبب الوحيد وراء انخفاض معدلات الخصوبة التي تنخفض في معظم المجتمعات المتطورة كما تنخفض استنادا إلى تعدد المشارب الثقافية. وكانت الحكومة الصينية قد سمحت عام 2013 لكل أسرة لديها طفل واحد أن تنجب طفلاً آخر لكن تجاوب الأسر مع هذا العرض كان محدوداً. ولدى استطلاع رأي الصنيين تبين أن الأسرة المفضلة لديهم هي المكونة من ثلاثة أفراد أي عند نسبة خصوبة أدنى من 1.75 طفل. ويبدو أن معظم الأسر الصينية مرتاحة للواقع الحالي ولا ترغب في تحمل أعباء تربية طفلين أو أكثر خاصة في المدن. والحقيقة أن السياسة ليست كل شيء.فقد تراجعت معدلات الخصوبة في المجتمع الصيني قبل قرار تحديد النسل بطفل واحد. وتزامن انخفاض معدلات الخصوبة مع حملة آجل وأطول وأقل التي نجحت في تشجيع الشباب الصيني على الإقدام على الزواج مع تأجيل الإنجاب حتى وقت لاحق وفي حال تعدد الإنجاب أن يكون على مراحل متباعدة. وهذا يدل على أن الثقافة هي التي تصنع القناعات أكثر من القرار السياسي.