بوسعك أن تتيقن من أن غالبية مشاهدي أحدث أفلام سلسلة مباريات الجوع؛ يعلمون مسبقا كل ما سيدور أمامهم على الشاشة، وذلك لأنهم قرأوا – بطبيعة الحال – الثلاثية الروائية، التي تستوحي تلك الأفلام أحداثها منها، على نحو خانع، وبقدر قد ينتزع تصفيق حتى الرئيس سنو؛ تلك الشخصية الدرامية التي تُصوّر حاكما ديكتاتورا ذكيا، ويجسدها في العمل الممثل دونالد سذرلاند. لكن حتى إذا لم تكن قد قرأت الروايات، فلن تعدم أن ينتابك شعورٌ بالترقب؛ الكبير والروتيني، في الوقت نفسه. وهكذا سيكون بمقدورنا جميعا حينما نشاهد فيلم ذي هنغر غيمز: موكينجاي الجزء الثاني، وهو آخر أجزاء تلك السلسلة السينمائية، أن نستشعر - بشكل أو بآخر - ما سنراه من أحداث، نظرا لأن حتى المفاجآت التي يتضمنها العمل؛ تبدو وأنها تحدث وتتسم بطابع قدري مبالغ فيه. فالعمل هو من بين تلك الأفلام، التي تجلس شخصياتها للحديث عما تعتزم فعله، ولكنها تجد حجر عثرة وقد وُضع في طريقها، وهو المتعلق بالكيفية التي سوف يستفيقون بها من سباتهم، وينجزون ما هم بصدد عمله بغض النظر عن أي عقبات أو مخاطر. في البداية لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن، لكن قبل نهاية العمل، يُكلل مسعاهم بالنجاح. فإذا أردت أن تتعرف على ماهية النقيض الدقيق للتشويق والإثارة؛ فلتلقِ نظرة على ذي هنغر غيمز: موكينجاي الجزء الثاني. فذلك الفيلم يقوم على عمل روائي ينتمي إلى فئة الأدب الموجه للصبية والمراهقين والشبان صغار السن. وتشبع شخصيات العمل رغبات عقلها غير الواعي، من خلال الاستغراق في الأحلام والخيالات، وذلك في ظل أجواء تتسم بالكآبة والمبالغة. فإذا نظرنا إلى كاتنيس أيفردين (تلعب دورها الممثلة جينفر لورانس)، سنجد أنها فتاة ذات شعر أسود قاتم، تُجيد رمي السهام، ويُنظر إليها باعتبارها المُخلِص المنتظَر للمقهورين في العمل. وتعلن أيفردين في وقت مبكر من العمل أنها تعتزم قتل الرئيس سنو، زعيم مدينة الكابيتول ذات الطابع الفاشي، وهي المدينة التي ترفع هذه الفتاة ورفاقها راية العصيان والتمرد في وجهها. وبعد هذا الإعلان مباشرة، يطلق أحد جنود المدينة النار عليها خلال بث حي على شاشة التليفزيون. ولخمس ثوانٍ تقريبا، يحسب الجميع أنها لقت حتفها. ولكن لحسن الحظ، كانت سترة القتال المطاطية التي ترتديها مضادة للرصاص كذلك. وهنا يحدد أحد رفاق أيفردين الوتيرة التي سيسير عليها الفيلم بعد ذلك بإعلانه أن المتمردين سيجتاحون مدينة كابيتول غضباً مما أصاب رفيقتهم دون مزيد من كاميرات التصوير .. أو مزيد من المباريات. ويلخص ذلك بدقة طابع هذا الجزء تحديدا. فبينما قدمت كل الأجزاء السابقة لهذه الملحمة تناولا دراميا دار حول تنويعات مختلفة على فكرة تباري شباب غض حتى الموت في إطار مسابقة من مسابقات برامج تليفزيون الواقع؛ بلغت المنافسة فيها أقصى الحدود المتصورة، فإن هذا الجزء ليس إلا فيلما حربيا، على نحو بسيط وصرف. ففي إطار أحداثه، نرى أيفردين وهي تنخرط في صفوف سرية من المتمردين تجول بين أطلال كابيتول، كما لو كانت فصيلة عسكرية يصورها فيلم يتناول أحداث الحرب العالمية الثانية. حتى الموت لكن حسنا، يوجد في هذا العمل عنصر واحد – مهمل ومنبوذ تقريبا - يتعلق بـمباراة أو مطاردة بشكل أو بآخر، إذ يتضح أن المدينة المدمرة ليست سوى حقل ألغام يغص بـرؤوس متفجرة؛ بالأحرى شراك خداعية قاتلة تتناثر عشوائيا، ويمكن أن تظهر فجأة في أي صورة من الصور. كأن تظهر مثلا في هيئة قنبلة حارقة عملاقة، أو زوج من الأسلحة الآلية مُثبت على شكل قوس يمكن أن ينفجر من أي جهة من جهتيه، أو ربما تظهر تلك الشراك القاتلة – وهذا هو الأكثر إثارة للدهشة – في صورة موجة مد عملاقة فوارة من النفط. ولوهلة ما، يبدو الفيلم كما لو كان قد تحول إلى أحد ألعاب الفيديو المصورة، التي تُعرض بالحركة البطيئة، والتي لن يتحقق الهدف منها، قبل الوصول إلى قلب القصر الذي يقيم فيه الرئيس سنو! بعد مواجهة سلسلة من العقبات المهلكة. لكن عندئذ، يهبط المقاتلون المتمردون تحت الأرض، ليمروا بسلسلة من أنفاق الصرف الصحي. وهنا يتوارى - ولو قليلا - خطر الإصابة بإعاقات جسدية بسبب الاصطدام بالشراك الخداعية، لتحل محله مخاطر مواجهة مسوخ – من تلك التي تصّر على أسنانها - وتعيش في مياه الصرف، وتبدو كما لو كانت من بين الشخصيات التي ابتكرتها شركة بلو مان غروب للترفيه، ولكن بعدما تحممت بأحد الأحماض. من جهة أخرى، تضم السرية المتمردة مقاتلين متباينين؛ من بينهم ذاك الرجل صاحب الشخصية الرهيبة والخطيرة الذي يُدعى فينيك (يقوم بدوره الممثل سام كلافلِن)، وقائد المجموعة ذو الشخصية الجذابة الذي يُدعى بوغس (يقوم بدوره الممثل ماهيرشالا علي). كما تضم القوة بيتا حبيب أيفردين، ذلك الشاب الأشبه بالتلاميذ صغار السن (يقوم بدوره الممثل جوش هتشرسون). وبينما تسود أجواء الألفة ثانية بين بيتا وأيفردين، يمكن للمرء أن يقسم بأن قصة الحب التي تجمعهما شديدة الرومانسية، إلى حد يجعل عاشقيّ فيلم تويلايت؛ روبرت باتينسون وكريستين ستيوارت، يبدوان عتيقيّ الطراز، وأشبه في حبهما بالممثليّن الراحلين كلارك غيبل وفيفيان لي. ولا يخلو الفيلم من ثرثرة بشأن الكيفية التي سيتم بها تصوير عمليات السرية المتمردة، وذلك لاستخدام الإنجازات التي يحققها عناصرها في الدعاية لها، إذ أنه في ذلك الفيلم سيتم تصوير الثورة نفسها تليفزيونيا! وفي حقيقة الأمر، فإن تناول الجانب المتعلق بإظهار الموت العلني على الهواء كوسيلة لإمتاع وترفيه المشاهدين في إطار سلسلة هنغر غيمز – وهو ذاك الذي يتضمن انتقادات لحبنا نحن المشاهدين لبرامج تليفزيون الواقع - احتشد في الجزء الأول من هذه السلسلة فحسب. وقد أضفى ذلك على السلسلة بأكملها قشرة خادعة هزيلة من التعقيد والبلاغة والتطور. ففي كل مرة ظهر فيها الممثل ستانلي توتشي - مُجسداً شخصية سيزار فليكرمان بتصفيفة شعر وهيئة تمزج ما بين ملامح الممثل كينيث إينغر وشخصية الساحر أوز الخيالية – بدا أن ذلك يمثل شهادة تتجسد أمامنا عن مدى الزيف المستشري في عصر هيمنة وسائل الإعلام، وعن قدر انحطاط دولة مؤسسات الترفيه على مستوى العالم. لكن كل ذلك لا يتجاوز في واقع الأمر طبقة سميكة متجمدة تعلو كعكة تقليدية لا تخرج مكوناتها عن قصص الحب المعتادة وتلك المنافسات المألوفة بين المراهقين. ويمكن القول إن المشكلة التي تشوب أحدث أفلام سلسلة هنغر غيمز، تتمثل في كون كاتنيس أيفردين ورفاقها من المتمردين لم يبلوروا قط أي تصور معقد بما يكفي لاعتباره خطة لإحراز النصر. فاستراتيجية هؤلاء لم تكن تتجاوز: قتل الرئيس سنو. وبطبيعة الحال، لا يمكن تحقيق ذلك الهدف بمثل هذه البساطة. وقرب نهاية الفيلم، يمكن لك كمشاهد للعمل أن تتوقع ما سيحدث قبل وقت طويل من تجسده على الشاشة، حتى لو لم تكن قد قرأت السلسلة الروائية المأخوذ عنها الأحداث، وذلك عندما تنزع الممثلة جوليان مور - التي تجسد دور ألما كوين زعيمة المتمردين - عن نفسها عباءة السياسية الأمريكية هيلاري كلينتون، بما يبدو على وجهها أحيانا من ملامح شخص متغطرس يتظاهر بأنه منتصر. في نهاية المطاف، يبدو النطاق الذي تجري في إطاره أحداث هذا الفيلم ذا طابع ملحمي، ولكن قدر الخيال والإبداع الكامن فيه يتضور – بالقطع – من الجوع. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture.