تعتاد خشبة المسرح الوطني الفرنسي «لا كوميدي فرانسيز»، استقبال أعمال أكبر المؤلفين العالميين من موليير إلى شكسبير مروراً بستريندبرغ وتشيخوف وآخرين. لكنها نادراً ما تبالي بنجوم الموسيقى الحديثة من الـ « روك آند رول» والبوب، ويبدو أن الأمر تغير منذ تولِّي إيريك روف رئاسة الفرقة حديثاً، وبرمجته مسرحية «لايك إي رولينغ ستون» التي يستوحي عنوانها من أشهر أغنية ألفها وغناها النجم بوب ديلان، والتي تحكي الظروف الغريبة والكوميدية التي أحاطت بتسجيل اللحن إياه في أحد الأستوديوات على مدار ليلة كاملة. يبدأ العرض في ديكور يرمز إلى أحد أهم استوديوات التسجيل الأميركية، وهو استوديو كولومبيا في منتصف ستينات القرن العشرين. وهناك يتجوّل أحد أفراد فرقة «لا كوميدي فرانسيز»، وهو شاب عشريني، في الصالة في وسط المشاهدين ومن ثم الصعود فوق الخشبة المجردة من أي وجود سوى الديكور، والنزول مرة جديدة إلى الصالة معبراً للحضور عن سعادته بالمشاركة للمرة الأولى في تسجيل أغنية في صحبة بوب ديلان وفرقته. ويضيف الرجل أنه حصل على هذه الفرصة في آخر لحظة، إثر قيام أحد أفراد الفرقة بالتنازل عن الحضور لأسباب صحية. ويدخل أعضاء فرقة ديلان إلى المكان، حيث ينشغل كل واحد منهم على الفور بضبط الآلة الموسيقية التي تخصّه، قبل وصول ديلان شخصياً لإعطاء التعليمات بخصوص التسجيل. ويبدو الشاب الذي يحلّ مكان العازف الغائب في حيرة من أمره بين تحضير نفسه للعمل وتقديم نفسه إلى بوب ديلان الذي لم يلحظ وجوده. وفي النهاية، يختار الشاب حلاً ثالثاً يتلخّص في ارتكاب أخطاء صغيرة في أثناء عزفه على الغيتار، ما يلفت إليه انتباه ديلان ويسمح له بتقديم نفسه كموسيقي، مضيفاً أنه يجيد كتابة النصوص إذا كان ديلان يفتّش عن أغنيات جديدة. ويستمر تسجيل أغنية «لايك إي رولينغ ستون» ليلة بأكملها، بسبب الخلافات التي تنشب دورياً بين أفراد الفرقة، وأيضاً لأن الشاب يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة مثيراً بلبلة بإصراره على تقديم نصوصه الشخصية إلى ديلان، آملاً بأن يختار الأخير أحدها للمستقبل. كل ما تقدّم، غيّر مزاج ديلان المتقلّب بغرابة أطواره وروحه الفكاهية التي لا يفهمها من أفراد فرقته سوى الشاب الجديد الذي يضحك لكل كلمة يتفوه بها ديلان سعياً إلى نيل رضاه. وتكمن براعة الإخراج الذي تولاه كلّ من سيباستيان بودرو الذي يؤدي أيضاً دور بوب ديلان، وماري ريمون وهي مؤلفة المسرحية استناداً إلى ذكريات الناقد غريل ماركوس المنشورة في كتابه «بوب ديلان في ملتقى الطرق»، في المزج المستمر بين الصالة والخشبة، وإلغاء الحدود بين المكانين بحيث تصبح القاعة مع خشبتها هي الأستوديو. وهكذا يشعر المشاهد بأنه في قلب الأحداث، وبأنه شاهد عيان لكيفية تحوّل ليلة مضطربة إلى حدث فني كبير إذا علمنا أن أغنية «لايك إي رولينغ ستون» صارت أهم أغنيات بوب ديلان ودخلت تاريخ موسيقى الروك آند رول. أما أبطال العرض، الى جانب سيباستيان بودرو في شخصية بوب ديلان، فهم: جيل دافيد وستيفان فاروبين وكريستوف مونتنيز وغابريال تور وهيو دوشين، وكلهم يمثلون ويعزفون الموسيقى بمهارة. وتشكل المسرحية سهرة مسلّية للمتفرّج، إضافة إلى كونها تعلمنا الكثير عن الفنان الأميركي الملتزم بوب ديلان.