الإنسان لا يشعر بتقدم سنه إلا إذا وهن عظمه، وابيض شعره، وفارقه إخوانه وأحباؤه، وإذا فقدت من هو أكبر منك شعرت بتضخم المسؤولية عليك، سواء كانت تربوية أو علمية أو مالية، أو غير ذلك، لأنك بت في المقدمة، تشعر بثقلها لأن الوقت قصير والعمل كثير، وقد تكون مشتتاً، بعد سماعي وفاة شيخنا ومجيزنا الشيخ العلامة محمد الروافي، شعرت بتلك المسؤولية اتجاه هذا الشيخ، ليس مسؤولية نشر العلم الذي نقله لنا، بل نشر سيرته التي وقفت عليها من مولده إلى وفاته، فكما قام هو بنشر علم مشايخه ونشر محاسنهم جاء دورنا، وقد تجمعت لدي كلمات من مراحل حياته، فأحببت أن يشاركني القراء تلك المحطات، وهي قصة رجل بسيط رحل عن الدنيا، ولكنه قدم لآخرته في دنياه، تعلم ليعلم غيره، كسب ليعطي، تحمل المشاق لينعم الآخرون، لعلنا أن نقدم مثلما قدم لتكون لنا حياة أخرى بعد الممات، من هنا نبدأ: الاسم والولادة: هو العلامة الفقيه المحدث والفرضي الداعية محمد بن علي بن حسن بن إسماعيل الروافي الآنسي، ولد في أواخر شهر رمضان سنة 1338هـ، في قريته الصغيرة (قرية سعد) في جبال آنس، من جمهورية اليمن. سنوات في التعلم: تلقى العلم في بداية عمره عن علماء مدينة ذمار، ثم مدينة صنعاء، وفي سنة 1379هـ رحل إلى مكة المكرمة، فأخذ عن كبار علمائها ومشايخها، منهم: 1 ـ العلامة الفقيه المحدث عبدالرحمن بن يحيى المعلمي، أمين مكتبة الحرم المكي، واستفاد منه ولازمه ثلاث سنوات. 2 ـ العلامة المحدث أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد بن محمد بن الهاشم، المدرس بـ (المسجد الحرام)، وبـ (مدرسة دار الحديث) بمكة المكرمة، وهو والد شيخنا المحدث المسند عبدالوكيل الهاشمي المكي. 3 ـ العلامة المسند أبو سعيد محمد عبدالله اللكنوي، المدرس بـ (المسجد الحرام)، وبـ (مدرسة دار الحديث) بمكة المكرمة، وإجازته مؤرخة بيوم الخميس 12/ محرم/ 1372هـ. 4 ـ الشيخ المسند أبو عبد الله عثمان بن الحسين العظيم آبادي، وكان من تلاميذ السيد نذير حسين، وهو والد مجيزنا فضيلة الشيخ يحيى بن عثمان المدرس حفظه الله تعالى. 5 ـ العلامة السيد علوي بن عباس الإدريسي المكي المالكي، المدرس بـ(المسجد الحرام)، وهو والد مجيزنا الشيخ محمد علوي المالكي غفر الله له. 6 ـ الشيخ العلامة سليمان بن عبدالرحمن بن عبدالله الحمدان، المدرس بـ(المسجد الحرام). 7 ـ الشيخ العلامة المسند سليمان بن عبدالرحمن بن محمد الصنيع المكي. 8 ـ الشيخ محمد بن عمر بن عبد الهادي الشايقي، إمام المسجد الحرام بالنيابة، وغيرهم، وله إجازات عنهم. وفي سنة 1382هـ رجع إلى اليمن، واشتغل بالتدريس والإفادة، في الفقه والسنة وتجويد القرآن الكريم، وانتفع به الناس، إلا أنه في سنة 1391هـ رجع إلى مكة المكرمة مرة أخرى، والتحق بـ(مدرسة دار الحديث) التابعة للجامعة الإسلامية، ليحصل منها بعد ذلك على شهادة علمية. رجوع إلى أحضان القرية: كل إنسان حصل على أي خير فإنه يفكر بأقرب الناس إليه، لاسيما إذا كان هذا الخير هو العلم، رجع الشيخ الروافي إلى قريته واهتم بالتربية والتعليم وتصحيح عقائد الناس وتوعيتهم، حتى ذاع صيته عند أبناء منطقته والمناطق المجاورة، وبدأ الناس يقصدونه للفتيا وتقسيم التركات وغير ذلك، أسس (مدرسة التوحيد الأساسية) ودرس فيها بنفسها، وتخرج عليه عدد من طلاب العلم، في شتى الفنون، كالفقه والفرائض وعلوم اللغة وحتى الحساب، ومنهم العلامة القاضي يحيى بن يحيى علي الدار، ومحمد إسماعيل الروافي، وغيرهم. حان الرحيل: بعد حياة حافلة بالعطاء والبذل، والتربية والتعليم، حان وقت الرحيل، فكما جاء الإنسان إلى هذه الدنيا فإنه راحل عنها، ولا بد (إنك ميت وإنهم ميتون)، توفي الشيخ ليلة الاثنين 10/ صفر/1437هـ، الموافق 23/11/2015م، عن 99 سنة، ودفن في (مقبرة التوحيد)، والتي أوقفها المترجم بجانب المسجد الذي بناه، رحمه الله تعالى وجميع المسلمين رحمة واسعة. ذكر بعد الممات: إذا أراد الله تعالى حياة شخص خلد ذكره، سواء بشر أم بخير، فالأول يبقى حيا بذم الناس له، والثاني بثناء الناس عليه، ومن الغريب أنه قبل أقل من شهرين أجاز عددا من المشايخ وطلاب العلم وأزواجهم وذرياتهم، وكان من أهل البحرين كاتب هذه الأسطر وشيخنا العلامة نظام يعقوبي حفظه الله تعالى، وكأن الله تعالى كتب له أن ينتشر ذكره، ولا ينقطع نسبه العلمي، وذلك بالتحديد يوم الأحد 15/ ذي القعدة/ 1436هـ، الموافق 30/ 8/ 2015م. شذرات من إسناده: مجيزنا الروافي يروي عن عدد من العلماء، مر ذكرهم، إلا أنني أقتصر هنا على روايته عن شيخه العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، عن شيوخه، وذلك لندرة من يروي عن العلامة المعلمي، ولأن للمعلمي قصة مع الشيخ محمد بن عبدالله الصولاني اليمني جامع (مجموعة الهداية)، التي تكلمنا عنها في المقالة السابقة، وهذه القصة نفردها في مقالة لاحقة بإذن الله، فنقول: يروي العلامة المعلمي عن عدد من العلماء والمحدثين، فهو يروي: عن محمد عبدالقدير الصديقي الحيدر آبادي، عن إلهي بخش العظيم آبادي، عن السيد نذير حسين. وعن محمد بن سليمان المعلمي، عن علي بن أحمد المزجاجي، عن محمد بن عبد الرحمن بن سليمان الأهدل، عن والده صاحب كتاب: (النفس اليماني). وعن أحمد المعلمي، عن داود حجر القديمي، عن الشريف محمد ناصر الحازمي، عن الإمام العلامة علي الشوكاني. وعن محمد بن علي الإدريسي حاكم صبيا، بما حواه ثبته: (العقود اللؤلؤية). هذا سال به القلم وسنحت به الذاكرة. مصادر الترجمة: هجر العلم: (2/ 899)، وأخينا عبدالسلام الروافي حفيد الشيخ، والشيخ المسند حمد بن حنيف المري.