أفرجت الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن 19 ألف وثيقة مصنفة سرية؛ بعد مرور نصف قرن على الأحداث التي تغطيها، وذلك وفقاً للقانون الذي يسمح بفك السرية عن الوثائق بعد مرور خمسين عاماً عليها. الوثائق المقصودة تغطي فترتي رئاسة الرئيسين جون كينيدي وليندون جونسون (1960-1968)، وشهدت هذه الفترة أكبر حدثين من نوعهما في العالم وفي الولايات المتحدة. الحدث الأول هو أزمة خليج الخنازير(1961)؛ ونشر الصواريخ السوفييتية في جزيرة كوبا الشيوعية، والثاني هو اغتيال الرئيس كينيدي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1963. بيد أن هذه الوثائق التي حُجب 20% من محتواها لا تكشف كثيراً من الأسرار والحقائق عن الحدثين اللذين هزا العالم والولايات المتحدة. السر الوحيد الذي كشفت عنه الوثائق أن الصواريخ التي نشرها الاتحاد السوفييتي في كوبا لم تكن مزودة برؤوس نووية، وأن الضجة التي أثيرت حولها، حينها، كانت مبالغاً فيها، ولم يكن العالم على حافة مواجهة حرب نووية. كما لم تقدم الوثائق أي معلومات مفيدة تلقي أضواء جديدة على محاولة غزو الجزيرة الشيوعية لإطاحة نظام فيدل كاسترو، الذي استمر رغم كل المؤامرات والحصار طوال فترات حكم 11 رئيساً أمريكياً. أمّا الحدث الأكبر اغتيال كينيدي فقد ظل على غموضه، ولم تكشف الوثائق أي أسرار جديدة يمكن أن تضيء الحدث، أو تفسره، أو تقدم معلومات جديدة كانت محجوبة يمكن أن تصحح الوقائع التاريخية. رئيس أكبر دولة في العالم يُغتال جهاراً نهاراً وعلى رؤوس الأشهاد في العام نفسه لأزمة الصواريخ، ومع بدايات أزمة خليج توانكين التي أفضت إلى حرب فيتنام، ومازال الغموض يكتنف الحادث الذي ثارت حوله تطورات أدت إلى إغلاق الملف، وتقديم صورة رسمية للوقائع، لكنها لم تكن مقنعة لتبرير الحدث. ولايزال إلى اليوم يسود اعتقاد عميق بأن أبطال الحدث المعلن عنهم لم يكونوا هم المؤدون الحقيقيون على المسرح ذي الكواليس العميقة والمظلمة؛ التي اختبأ فيها المخرجون والفاعلون الحقيقيون. خلاصة تقرير لجنة وارين التي شكلها الكونغرس للتحقيق في اغتيال كينيدي، خلُصت إلى التسليم بالوقائع التي أراد لها المنفذون أن تكون. لي هارفي أوزوالد هو الذي اغتال كينيدي، وجاك روبي رجل العصابات ومالك ملهى في تكساس هو الذي قتل أوزوالد على رؤوس الأشهاد عندما كان عملاء الشرطة الفيدرالية ينقلونه للتحقيق، وأقفل التحقيق على هذا الأساس، أو بالأحرى قُتلت القضية، لينفذ الجناة الحقيقيون. كُتبت كتب كثيرة وأُنتجت أفلام لا عدد لها حول اغتيال كينيدي؛ منها ما أشار إلى المافيا وإلى كوبا وإلى موسكو وإلى الكائنات الفضائية (!). بيد أن آخر كتاب نُشر في هذا الخصوص وحمل عنوان الرجل الذي قتل الرئيس، يشير صراحة إلى أن القاتل الحقيقي هو نائب الرئيس، حينها، ليندون جونسون، واستند الكتاب في بناء اتهامه على معلومات استمدها من جاكي أرملة الرئيس المغدور، وروجر ستون كبير مساعدي الرئيس الأسبق نيكسون، ومادلين براون عشيقة جونسون. ويكشف الكتاب أن جونسون كان على علاقة برجل العصابات جاك والاس الذي استخدمه جونسون لقتل شقيقته جوزيفا عاملة الجنس في ماخور، التي كانت تمثل تهديداً لصورة جونسون السياسية في 1961. كما قتل والاس أيضاً هنري مارشال المحقق الاتحادي الذي كان يحقق في حصول جونسون على أموال غير شرعية. وجاك روبي هو أحد رجال والاس. ببساطة كانت هناك خلافات شديدة بين جونسون وروبرت كينيدي شقيق الرئيس الذي كان يشغل منصب وزير العدل، وكان كينيدي بسبيله للتخلي عن نائبه في بطاقته الانتخابية في نوفمبر/تشرين الثاني 1964، بسبب علاقاته بالوسط الإجرامي، ومليونيرات النفط في تكساس الغاضبين من الرئيس، الذين يعتقدون أنه حرمهم من أرباحهم الطائلة بالضرائب الباهظة. رئيس المخابرات الأمريكية جون برينان قال إن بلاده لا تحتفظ بالأسرار لمجرد السرية، لكنها عندما تكشف عنها فهي دلالة على الشفافية وحرية المواطن للاطلاع على ما يدور في الغرف المغلقة، وإلقاء الضوء على عمل الحكومة أثناء الأزمات من دون مساس بالأمن القومي. فهل عرف الأمريكيون بعد من اغتال رئيسهم المحبوب؟ osnim@hotmail.com