تقوم الدنيا ولا تجلس، منذ شهر وأكثر، على محاولة فلسطيني طعن أحد المستوطنين الإسرائيليين هنا، أو فلسطينية حاولت طعن مستوطن هناك. ولم تقم الدنيا ولم تقعد، وأولئك المستوطنون الإسرائيليون يطعنون خاصرة فلسطين ووجدانها وتاريخها وترابها، ليل نهار، والعالم كله يتفرج بصمت. لاح لي وجه الكبير المطير، محمود درويش، كخلفية لكل حوادث الطعن المتوالية التي أقلقت إسرائيل، وقضّت مضجعها بالسكاكين، بالسلاح الأبيض البسيط، وهي التي تدوس على الحق الفلسطيني بمجنزراتها ليل نهار، والعالم أيضا كله، يتفرج بصمت. لا أحد من مثقفي فلسطين ومفكريها ومُبدعيها، عرّى الوجه اليهودي القبيح، كما فعلت أشعار محمود درويش على مدى ما يقارب النصف قرن، والنصف دمعة. لعل هناك أسماء شعرية فلسطينية كثيرة، تناولت القضية الفلسطينية، واتخذتها همّا وشُغلا شاغلا لها، مثل سميح القاسم وغيره، غير أن أهم سمة لفرادة شعر درويش المحارب بشراسة، أنه كان يكشف عورة الاحتلال بغضب جميل، ويعرّي سوءة إسرائيل بسخط أنيق، بل إنه يشتم ويُشنّع الوجود والطغيان الإسرائيلي، بلغة في ذروة الجمال الفني: "ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا فلنا في أرضنا ما نعملُ ولنا الماضي هنا ولنا صوت الحياة الأول ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبل ولنا الدنيا هنا.. والآخرة فاخرجوا من أرضنا من برنا.. من بحرنا من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا من كل شيء، واخرجوا من ذكريات الذاكرة أيها المارون بين الكلمات العابرة!" كانت وما زالت، جمالية شعر محمود درويش، وسلاحه الحرفيّ الأنيق وغير المُبتذل، تقاوم الاحتلال حتى وصاحبها تحت الأرض، وما زالت كلمات درويش تحمل الحجر اللفظي، لتشجّ به رأس الاحتلال، وبمنتهى الجمال تقول لليهود المغتصبين: "اسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا". تقولها بمنتهى اليقين.