من المحزن أن تنفذ كل هذه المشروعات الخدمية، ثم نكتشف لاحقا أنها "مضروبة" وفاقدة للجودة، وبمجرد أن يزورها أول الغيث تتحول مدننا إلى مسبح كبير! قلت الخميس الماضي إن تعليق الدراسة ليس نتيجة للأمطار الغزيرة، بل بسبب البنية التحتية السيئة. ومن هذه الناحية "ما فيش حد أحسن من حد"، فغالبية مدن البلاد سواء في تنفيذ المشروعات البلدية، بما فيها العاصمة الرياض والتي غمرت مياه الأمطار بعض أنفاقها يوم أمس. حتى بريدة غرقت أجزاء كبيرة من أحيائها خلال اليومين الماضيين. سمعت قبل سنوات قصة تروى عن مسؤول في شركة مقاولات كبرى، حيث كانوا يقومون بتنفيذ أحد الطرق، وواجهوا عجزاً في الآليات اللازمة لإنجازه بعدما سحبت إدارة الشركة معظمها إلى مشروعات أضخم في مناطق أخرى. وبما أنه كان ينقصهم في تلك المرحلة "الرصّاصّات" لتسوية طبقة الأسفلت قبل أن يبرد وتصبح العملية صعبة أو غير ذات جدوى؛ عمدوا إلى تعبئة صهاريج المياه ليصبح وزنها أكثر ثقلاً، ووضعوا عازلاً على إطاراتها لوقايتها من حرارة الأسفلت، ثم قاموا بعملية رصّ الأسفلت بـ"الوايتات" بديلاً عن "الرصّاصّات"! عندما خرجت اللجنة المكلفة بالكشف على المشروع، أقرت بمطابقته للمواصفات والمقاييس المطلوبة، وتم استلام الطريق من الشركة المنفذة، و"لا من شاف ولا من درى"! هذه واحدة من جملة العبث الذي يحدث في بعض مشروعاتنا الخدمية، والذي لا يزال قائماً بدلالة انكشاف حقيقتها مع أول اختبار. ولو طرحت مناقصة على مقاولي تلك المشروعات لإنشاء أنهار وبحيرات صناعية، ما نجحوا في تنفيذها كما فعلوا بتحويل الأنفاق إلى بحيرات والشوارع إلى أنهار! وعلى طاري الأنهار.. ما زلت أذكر عبارة سمعتها من عامل آسيوي أوصلته بعدما عجز عن قطع شارع تحوّل إلى نهر جارِ، حيث كان الرجل صامتاً طوال تلك الرحلة النهرية القصيرة حتى وصلنا إلى الضفة الأخرى، وبعد أن ضمن الوصول التفت إلي وقال: "هنا فلوس كثير.. لكن شغل تعبان أكثر"! كدت أعيده من حيث أخذته، لولا أنه لم يقل سوى الحقيقة!