احتدمت أمس بالبرلمان الجزائري مواجهة ساخنة بين نواب الأغلبية، الموالية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ونواب المعارضة وهم في أغلبهم إسلاميون، أثناء عرض قدمه وزير المالية عبد الرحمن بن خالفة، لقانون الموازنة لسنة 2016، الذي يفرض ضرائب ورسوما جديدة، وزيادات في أسعار مواد أساسية تمس بشكل مباشر معيشة شرائح واسعة من الجزائريين. واحتج نواب كتلة «الجزائر الخضراء» على مضمون النص، بحجة أنه يثقل كاهل المئات من الأسر الجزائرية، التي تعاني من غلاء أسعار المواد الغذائية الأساسية، وطالبوا وزير المالية بسحب الزيادات في البنزين والكهرباء، التي يتضمنها مشروع القانون. وتعول الحكومة على هذه الزيادات وعلى رسوم وضرائب تتعلق بالشركات الخاصة، لمواجهة تبعات أزمة أسعار النفط، التي قلصت من مداخيل البلاد بنسبة 50 في المائة، في ظرف 6 أشهر (يناير/ كانون الثاني – يونيو/ حزيران 2015). وتضم «الخضراء» أربعة أحزاب إسلامية، هي «حركة مجتمع السلم» و«حركة النهضة» و«حركة الإصلاح الوطني» و«جبهة العدالة والتنمية». ويمثل نواب هذه الكتلة مجموعة صغيرة في البرلمان؛ إذ لا يزيد عددهم على 60 مقارنة بنواب حزبي السلطة «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذين يفوق عددهم 300 برلماني. وليس هناك شك في أن «الموالاة» ستنجح في مسعى الحكومة للمصادقة على القانون، ليصبح ساري المفعول مطلع العام الجديد. والمثير للجدل الحاصل حول قانون الموازنة، أن أعضاء «لجنة المالية» في «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة الأولى)، وهم من نواب الأغلبية، اقترحوا زيادات في الوقود والكهرباء، أعلى من الزيادات التي وضعتها الحكومة في مشروع القانون. وقد تم اعتماد هذه الزيادات فعلا، لدى دراسة المشروع باللجنة. وقد أثار ذلك حفيظة البرلمانيين الإسلاميين، الذين اتهموهم بـ«خيانة ثقة الشعب»، بحجة أنهم «تحالفوا مع الحكومة ضد جيوب المواطنين». وكتب رئيس «مجتمع السلم» عبد الرزاق مقري، عن قانون الموازنة، بصفحته على «فيسبوك»، فقال: «يعتبر قانون المالية المعروض على المجلس الشعبي الوطني، أخطر قانون مالية عرفته الجزائر منذ سنوات، فهو يعبر بشكل واضح عن إرادة سياسية لتحول في الدولة الجزائرية بطريقة غير ديمقراطية. هذا التحول يجسد توجها ليبراليا ورأسماليا متوحشا، يكون لصالح أقلية مسيطرة ولخدمة مصالح أجنبية ضد مصلحة البلد ومستقبل الجزائريين». ودافع رئيس الوزراء عبد المالك سلال، عن القانون في مقابلة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية، أول من أمس؛ إذ قال إن زيادة أسعار منتجات الطاقة «لن تمس بأية حال من الأحوال صغار المستهلكين ولا سكان مناطق الجنوب». وقال أيضا إن الاقتصاد الجزائري «صامد على الرغم من تراجع إيراداته النفطية». ولكنه اعترف بأن «الوضع صعب ويستلزم نموذج إنماء بتصور بعيد المدى». مشيرا إلى أن مداخيل بيع المحروقات «تراجعت بالنصف في بضعة أشهر»، وهو ما يدل على قوة الصدمة التي تعرض لها الاقتصاد الوطني، «الذي هو في مسار إعادة بناء لكنه صامد». وأضاف سلال: «الوضع الاقتصادي في مرحلة حرجة، والصعوبات حقيقية، وآفاق التطور غير واضحة»، مشيرا إلى أن الجزائر «تستطيع تحمل الصدمة النفطية وبشكل أفضل من كثير من البلدان، والدليل على ذلك أن موارد صندوق ضبط احتياطات الصرف، في مستوى جيد».