صدر للكاتب الروائي والصحافي المصري إبراهيم فرغلي كتاب جديد بعنوان «البلاد.. وهم الحدود المصنوعة بالدم»، عن دار نشر «نوفا بلس» في الكويت. ينتمي الكتاب لأدب الرحلات، ومن خلال ذلك اكتشاف الذات من خلال الرحلة، كما يوضح الكاتب في مقدمة الكتاب، إضافة لاختباره مفهوم الحدود، وفكرة الشخصية القومية، ومفهوم الإنسان العالمي العابر للحدود الجغرافية. نقرأ في الكتاب عددا من التجارب التي يرى المؤلف أهمية أن يستلهمها العرب في إطار دعوته لاعتبار «أدب الرحلة أساسا وسيلة للانفتاح على الآخر في توقيت تبدو فيه الذوات العربية منغلقة وتدور في آفاق شديدة المحلية». وهذا الكتاب هو الثاني لفرغلي في أدب الرحلات بعد «مداد الحوار.. وجوه ألمانية بعيون عربية» الذي صدر عن «دار العين» بمصر قبل فترة. يقع الكتاب في 292 صفحة من القطع الكبير، ويأخذنا فيه الكاتب إلى بلدان أوروبا والخليج والمغرب العربي، منطلقا من سويسرا؛ حيث يصف رحلة تغطيته حفلا موسيقيا سويسريا - مصريا مشتركا كان نجمه الموسيقار المصري عبده داغر، ثم سرقسطة في إسبانيا، وكذلك مدينة طروادة التاريخية في تركيا حيث يتأمل أطلالها وما بقي منها مقارنة بأسطورة هوميروس الشهيرة، وبعض دول شرق آسيا مثل الفلبين وإندونيسيا. ثم يطوف بنا في رحلة إلى مسندم في سلطنة عمان تتبعا لقبيلة غريبة في قرية جبلية بحرية يتكلم أهلها لغة غريبة هي قرية كمزار، وطنجة في شمال المغرب، قبل العودة للقاهرة التي يكتب عنها الكاتب في ختام الكتاب بعين المحايد الغريب كأنها محاولة لتأمل الذات في مرايا الآخر. من مقدمة الكتاب: «أرى آثار أقدام امرأة ترتدي خلخالا وتسير باتجاه الشمس على رمال الصحراء، رمال ناعمة ورطبة تلتمع بلون هجين بين صفرة محمرة داكنة وظلال من لون الطين. قدمان نحيلتان لامرأة نحيفة تتتابع خطواتهما بدلال ودأب. لا أسمع صوت الخلخال. ولا أعرف الجهة التي أتت منها صاحبة القدمين الخمريتين الناعمتين، ولا الجهة التي تسعى إليها. أين تذهب في هذا التيه الشاسع؟ من أي أرض جاءت وإلى أي أرض تنتمي؟ ولكني سرعان ما أشعر بعبثية السؤال حين ترتفع نبرة سؤال آخر أكثر إلحاحا: أليست الأرض كلها لنا؟ انفجر السؤال في ذهني وأنا أحدق من الطائرة التي تحوم حول الصحراء، رأسي قريب من رأس (دي ألماسي)؛ المريض الإنجليزي الذي اصطحب جثة عشيقته كاثرين كليفتون في الطائرة ليحلق معها في سماء بلا حدود أعلى صحراء رسمت تلالها ومسارات طبقات الرمال فيها أجساد بشرية عارية تطفو أعلى بلاد بلا خارطة أو حدود. لوحة جسدية عالمية للبشر الذين يجسدون الأرض التي يجب أن يعيشوا عليها جميعا أحرارا بلا حدود سياسية أو جغرافية. لكني، وعلى الرغم مما تشربته من نوازع وطنية لم أكن شوفينيا قط.. كنت بسبب حياتي خارج مصر لسنوات طويلة منذ الطفولة قد اكتسبت قدرة على التكيف مع أي مكان يقدر لي أن أعيش فيه، كما تخلصت من تلك الميوعة العاطفية المصرية الشائعة لدى المصريين على يقين بأن الوطن فكرة أكثر من كونه مكانا.. وأن اغترابي المستمر لا علاقة له بالأماكن بقدر ما له علاقة بالبشر.. وكلما وجدت من أستريح إليهم، أيا كانت جنسياتهم، وأوطانهم، كلما تبدد إحساسي بالغربة.. تماما كما شأني مع مقهى آلفه فيصبح لي وطنا صغيرا لأنه يمنحني ما يسعدني من صحبة للذات والتأمل والكتابة والإحساس بالإنسانية. لماذا تخايلني صورة القدمين الحافيتين لتلك الفتاة التي لا أعرف لها ملامح، وإلى أين؟ هل الوطن هو مجرد الحلم بالحياة معها في مكان ما؟ أم إن اقتفاء أثرها هذا في حد ذاته هو يقين بأن الحياة ليست سوى رحلة البحث عن وطن؟ لعلها فتاة هجين أباها من بلد بعيد نصف أوروبي ونصف شرقي، وهو ما يعني أنه أيضا متعدد الهويات، ولعل أمها نصف مسلمة ونصف مسيحية، أو ربما نصف سنية ونصف شيعية، أو لعلها هجين من هذا كله: امرأة العالم الجديد مختلطة الهوية بكل ما يعنيه ذلك من زوال حدود فاصلة بين البلاد والعقائد والطوائف.. إنسانة تخطو في صحراء الإنسانية بحثا عن أرض جديدة بلا تمييز».