جزماً يُعَدُّ ميلاد الجامعات الناشئة حدثاً مفصلياً في تاريخ التعليم العالي السعودي، يعرف ذلك جيداً ويحس به ويشعر بقيمته وأهميته -أكثر من غيره- قاطنو المناطق التي كان شبابها يحلمون بهذا المنجز الحضاري، والفعل التنموي المتميز والمؤثر في تطور وتقدم وازدهار منطقتهم علمياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً وإعلامياً. ومع أهمية منظومة كليات الجامعة المختلفة الشرعية والاجتماعية والإدارية، والإنسانية منها والعلمية، والهندسية والصحية و... فإنّ لكليات الطب خصوصيتها وتميزها عن باقي مفردات المنظومة المختلفة، فهي بمنزلة الرأس من الجسد، ولا يمكن لهذا النوع من الدراسات المُعمَّقة والمتخصصة أن يتطور ويتقدم ويخرِّج أطباء أكفاء إلا إذا تيسّر وجود بيئة تدريبية مثالية، تُكسب الطالب مهارة الممارسة الطبيّة الصحيحة التي ننتظرها في أطباء المستقبل، ولذلك كان الجزم مني بأن المستشفيات الجامعية التي تم اعتمادها في مدننا الجامعية في مرحلة سابقة - وما زال الغالبية العظمى منها في مرحلة التشييد والبناء على اختلاف فيما بينها من ناحية الإنجاز - أقول: لم يكن الجزم مني بأن هذه المستشفيات مشاريع إستراتيجية إلا للأسباب الآتية: # ارتباط كليات الطب والكليات المساندة بالمستشفيات الجامعية ارتباطًا عضويًّا عالميًا معروفًا، بل إن هذا النوع من المستشفيات يعدّ في عدد من الدول الأوروبية أهم الصروح البحثية والعلاجية في العالم. # ضعف البيئات التدريبية التي يتدرب فيها طلاب وطالبات الطب والعلوم الطبية في كثير من المناطق؛ إذ إن المستشفيات التابعة لوزارة الصحة ليست مؤهلة لتكون مقاراً للتدريب، الأمر الذي اضطر عدداً من جامعاتنا الناشئة إلى إبرام اتفاقيات تعاون وعقود خدمات مع مستشفيات محلية في العاصمة الرياض أو جدة أو المنطقة الشرقية، فضلاً عن المستشفيات الجامعية الخارجية. # كثرة المتدربين في التخصصات الصحية المختلفة، الأمر الذي يعيق الأطباء والمتخصصين العاملين في المستشفيات الحكومية التي تستقبل المتدربين عن القيام بواجبهم إزاء مرضاهم بالشكل الكامل، وفي ذات الوقت متابعة المتدربين والإشراف عليهم إذا لزم الأمر ذلك. # التطلع إلى أن تكون هذه المستشفيات رافداً أساسياً لما هو قائم من مستشفيات في هذه المناطق، تقدم خدماتها الصحية لهذا الجزء من الوطن المبارك المعطاء، خاصة في ظل التذمر الدائم والشكوى المستمرة من تدني الخدمات الصحية المقدمة من قبل المستشفيات التابعة لوزارة الصحة. # تقليل الضغط على المستشفيات الكبرى الموجودة في المدن الرئيسية الثلاث المعروفة، والتي يحال لها كثير من الحالات المستعصية كما هو معلوم. أجزم أن تشغيل هذا الكم من المستشفيات الجامعية التي تقارب العشرين مستشفى، ودعمها مادياً ومعنوياً، وتوفير الكوادر المتخصصة، والكفاءات الفنية المدربة، يحتاج إلى ضخ أموال طائلة في ظروف مالية صعبة لا تخفى على أحد، ولكن الأثر والمردود المنتظر من هذه المشاريع التنموية المهمة قد يمنحها الأولوية على غيرها، ويجعل لها أحقية السبق، ولذا كان هذا المقال لعله أن ينال الاهتمام ويحظى من قبل صناع القرار بالتأييد والمباركة، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.