استفادت اللغة الإنجليزية من سبب تاريخي جغرافي يعود إلى القرن التاسع عشر أيام الحملات الإنجليزية المتوسعة إلى الأمريكتين وآسيا والقطبين، وتبنى معظم الدول المستقلة لاحقاً اللغة الإنجليزية، لغة رسمية فيها. إضافة إلى السبب الاجتماعي الثقافي الذي أحدثه أسلوب الناس في الاعتماد على الإنجليزية في حياتهم العملية والتجارية والأمنية والاتصالات والترفيه والتواصل والإعلام والتعليم وغيرها، من منطلق أن الإنجليزية تسهل العمل والعلاقات، لأنها اللغة الوسيطة المفهومة والمتداولة. وتحولت الإنجليزية إلى لغة تواصل لأنها جسر يربط بين كافة العاملين من مختلف الثقافات، ولسان موحد بين الناس من مختلف البلدان، ولغة تفاهم متداولة في كافة المواقع والمجالات الاجتماعية والعملية. ولا شك في أن اعتماد قطاع تكنولوجيا المعلومات عليها، ووفقًا لاستطلاع معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات الذي أجراه عام 2014 جعلها اللغة التي تعتمد عليها أعلى عشر لغات استخداماً في البرمجيات، إضافة إلى تقرير يشير إلى أن البلدان التي تمتلك مهارة التواصل والتعامل في اللغة الإنجليزية، هي الأقوى في التصدير والأقدر على تطوير منتجات مهمة مثل أجهزة الحواسيب والآلات الكهربائية، وصناعة الطيران والمستحضرات الدوائية، وغيرها من الأدوات العلمية. ولو علمنا أيضاً أن الإنجليزية هي لغة العلوم والهندسة والبحث، بتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول الناشرة سنوياً لأكبر عدد من المنشورات العلمية لتأتي المملكة المتحدة في المرتبة الثالثة بعد الصين، سندرك مدى الاعتماد عليها اعتماداً كبيراً ومهماً، بسبب احتياج الناس في أكثر من فئة ومجال لقراءة ومراجعة هذه الأبحاث، وحاجة المهنيين المدربين لقراءة الأبحاث بالاعتماد على الإنجليزية، وسوف نفهم ما يدفع الكثيرين لتعلمها، والاهتمام بتعليمها لأبنائهم، والتركيز على توظيف من يتقنونها ويجيدونها بشكل كبير. ومع هذا، ورغم كل ما جاء أعلاه، لن يتمكن نشر الإنجليزية من تقليل الفرق بينها وبين العربية في الأصالة والحضور والأهمية التاريخية، وعلى الوطن العربي ألا يتوقف عن الصرف على إقامة الندوات والمؤتمرات الداعية للحفاظ على العربية، ويعمل على إنشاء مراكز أبحاث وأكاديميات بفروع عالمية لتعليم العربية، وإعادة طباعة ونشر أمهات الكتب والمراجع اللغوية باللغة العربية، وتسهيل حضورها وتوفيرها للعالم، وليس فقط في الدول العربية. إن اهتمام الغرب بالعالم العربي اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، هو الداعم الأول لنشر لغتنا القومية والترويج لها ما يجعلنا بحاجة للالتفات إلى عمل الدراسات والبحوث، وزيادة المنشورات العلمية والفكرية بلغتنا العربية، والاهتمام بالباحثين ممن يتقنون العربية من كافة أرجاء العالم مع الامتناع عن ترجمتها كي لا يسهل عبورها للعالم، لأن من شأن هذا الامتناع استثارة رغبتهم في تعلم العربية لقراءة أفكارنا ومعرفة ما نريد، فيسعون إلى ترجمتها نحو سعيهم لتمحيص أفكارنا واهتماماتنا. ليس علينا سوى أن نبحث ونكتب بلغتنا، وليس عليهم سوى أن يجتهدوا لقراءة وفهم ما كتبنا.